رسالة : بطلان حجية الآثار
فصل : أنواع النسخ عند الفرق الضالة
كتب : محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني ,
تبيين الحق ) :
قالت الفرق الضالة أن النسخ ينقسم
باعتبارالمنسوخ إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : نسخ التلاوة والحكم معاً .
القسم الثاني : نسخ التلاوة دون الحكم .
القسم الثالث : نسخ الحكم دون التلاوة .
التفصيل :
القسم الأول : نسخ التلاوة والحكم معاً
واستدلت الفرق الضالة على هذا النوع بالأثر
التالي :
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَت: " كَانَ
فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ،
ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ". ( صحيح مسلم
, موطأ مالك رواية يحيى الليثي , الأم للشافعي , سنن ابن ماجه , صحيح ابن حبان ,
مستخرج أبي عوانة ) .
وفي موطأ مالك رواية يحيى الليثي : قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: (
وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ ) .
وفي مستخرج أبي عوانة : وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ( وَهِيَ مِمَّا
يُقْرَأُ فِي الْقُرْآنِ. زَادَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ
الْعَمَلُ ) .
والسؤال : ما معنى ليس عليه العمل ؟
وهل يكون صحيحاً وفي نفس الوقت ليس عليه العمل ؟
أقوال العلماء في هذا الأثر الباطل المكذوب :
قال ابن حجر في فتح الباري : ( لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي
الأصوليين ) .
وقال ابن عثيمين في شرح بلوغ المرام : ( منكر ) .
وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار : ( لم يقل "هو ممن يقرأ من
القرآن" غير عبد الله بن أبي بكر وهو عندنا وهم منه ) .
وقال السرخسي في المبسوط – ج 5 – ص 134 : ( أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَتْلُوًّا
بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ فَلِمَاذَا لَا يُتْلَى الْآنَ.؟
وَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ «فَدَخَلَ دَاجِنٌ الْبَيْتَ فَأَكَلَهُ» وَهَذَا
يُقَوِّي قَوْلَ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ
ذَهَبَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ
يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي الْمُصْحَفِ
وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ... .) . انتهى .
وقلت : إنه أثر مكذوب , ومن علل أسانيده :
مالك بن أنس , ولقد كان يدلس تدليس التسوية وهو أحقر أنواع التدليس .
يحيى بن سعيد الأنصاري , وهو مدلس .
عبد الوهاب بن عبد المجيد , وقد اختلط .
حماد بن سلمة , وهو صدوق يغلط ويقع في حديثه أفراد وغرائب وربما حدث
بالحديث المنكر ولقد ساء حفظه في آخر عمره .
أحمد بن علي المري , وهو مجهول الحال .
علي بن ربيعة القرشي , وهو ضعيف الحديث .
محمد بن رزيق , وهو مجهول الحال .
سفيان بن عيينة , وهو مدلس وقد اختلط , وقال فيه أحمد بن حنبل
: أثبت الناس في عمرو بن دينار ، حافظ له غلط في حديث الكوفيين ، وغلط في حديث
الحجازيين في أشياء
ولكن على فرض صحة سند ذلك الأثر , فهل يجوز قبوله ؟
لا يجوز , فالقرآن لا يثبت إلا بالتواتر , ولو صح سند
أثر بخلاف القرآن المتواتر حكم على هذا الأثر بالشذوذ .
وعلى فرض صحة السند وصدور ذلك القول من عائشة , فهذا
أيضاً لا يعني صحة المتن لأنه من المعلوم عند السنيين أن الصحابة كانوا يكتبون
تفسيرات لهم في القرآن , فلعلها رأت تفسيراً أو فهماً لأحد فظنت أنه قرآن , كما أن
الصحابة غير معصومين من الخطأ فهم يخطئون وينسون .
والسؤال : أين العلماء الذين قالوا بعدم نسخ الآثار
للقرآن ؟
إني أراهم يزعمون النسخ بآثار باطلة .
وأين آية الخمس رضعات في القرآن الآن ؟
وأين دليل نسخها ؟
لا يدافعن أحدكم عن الباطل فيقول أنه يوجد نسخ آخر للخمس
وقد كان متأخراً فلم يعلمه الصحابة .
والسؤال : هل عندكم دليل على هذا الرأي الفاسد ؟
أين هذا الناسخ ؟
وهل كنتم من الصحابة ؟
الأثر واضح , ومن صححه عليه أن يقول بتحريف القرآن أو
كتمان الصحابة لبعض الآيات , وهذا باطل .
وهل يوجد عاقل يقبل نسخ ثم نسخ النسخ ؟
هل هذا دين أم لعبة ؟
أين حكمة رب العالمين إن كنتم تؤمنون بها ؟
لماذا لا تنزهون رب العالمين عن تلك الأباطيل ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : نسخ التلاوة دون الحكم : أو
الحكم بآيات مزعومة
واستدلت الفرق الضالة على هذا النوع بآية
الرجم اليهودية أو أثر "الشيخ والشيخة" , كما استدلوا بأكذوبة "
أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ، أَنْ تَرْغَبُوا
عَنْ آبَائِكُمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ
" , وسأكتفي بالروايات التالية :
الرواية الأولى : صحيح ابن حبان : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِِسْحَاقُ بْنُ
إِِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ
بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: " كَانَتْ سُورَةُ الأَحْزَابِ
تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَكَانَ فِيهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِِذَا
زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ " .
وهو أثر مكذوب .
علل السند :
1 ، ابن حبان , قال فيه أبو عمرو بن الصلاح
: ( ربما غلط الغلط الفاحش ) , وقال أيضاً : ( له أوهام كثيرة ) .
2 ـ النضر بن شميل المازني , ذكره أبو
جعفر العقيلي في الضعفاء .
3 ـ حماد بن سلمة , قال أبو أحمد بن عدي
الجرجاني : كثير الرواية خاصة عن إبراهيم ، ويقع في حديثه أفراد وغرائب ، وهو
متماسك في الحديث ، لا بأس به .
وقال أبو بكر البيهقي : هو أحد أئمة
المسلمين إلا أنه لما كبر ساء حفظه .
وقال أبو حاتم ابن حبان البستي : من العباد
المجابين الدعوة وكان بن أخت حميد الطويل حميد خاله ولم ينصف من جانب حديثه ،
واحتج بأبي بكر بن عياش في كتابه وبابن اخي الزهرى وبعبد الرحمن بن عبد الله بن
دينار ، فإن كان تركه إياه لما كان يخطىء فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة
ودونهما وكانوا يخطؤن فان زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه فقد كان ذلك في أبي بكر
بن عياش موجودا وأنى يبلغ أبو بكر حماد بن سلمة ولم يكن من أقران حماد مثله
بالبصرة في الفضل والدين والعلم والنسك والجمع والكتبة والصلابة في السنة والقمع لأهل
البدعة ولم يكن يثلبه في أيامه إلا قدرى أو مبتدع جهمى لما كان يظهر من السنن
الصحيحة التي ينكرها المعتزلة وأنى يبلغ أبو بكر بن عياش حماد بن سلمة في إتقانه
أو في جمعه أم في علمه أم في ضبطه .
وقال ابن حجر في التقريب : ثقة عابد أثبت
الناس في ثابت وتغير حفظه بأخرة
الذهبي : الإمام أحد الأعلام وهو ثقة صدوق
يغلط ، كان بحرا من بحور العلم ، وله أوهام فى سعة ما روى .
محمد بن سعد كاتب الواقدي : قال فى الطبقات
: ثقة كثير الحديث وربما حدث بالحديث المنكر .
وقال يحيى بن سعيد القطان : حماد عن زياد
الأعلم ، وقيس بن سعد ليس بذاك .
وقال يحيى بن معين : ثقة ومرة : قال أثبت
الناس في ثابت البناني حماد بن سلمة ، وفي رواية ابن محرز قال : ثقة مأمون ،
وحديثه عن أبي حمزة الكوفي ليس هو بشيء ، ومرة قال في سؤالات عثمان بن طالوت
البصري : ثقة .
يعقوب بن شيبة السدوسي : ذكره في سؤالات
عثمان بن محمد بن أبي شيبة ، وقال : ثقة ، طرجل صالح بارع الصلاح ، وفي بعض روايته
اضطراب ، ومرة : ثقة في حديثه اضطراب شديد ، إلا عن شيوخ فإنه حسن الحديث عنهم ،
متقن لحديثهم ، مقدم على غيره فيهم ، منهم ثابت البناني ، وعمار بن أبي عمار .
4 ـ عاصم بن بهدلة (عاصم بن أبي النجود
الأسدي ) , وهو ضعيف لسوء حفظه .
تنبيه : إسحاق بن إبراهيم بن مخلد (إسحاق بن
راهويه المروزي ) , قال فيه أبو داود السجستاني : ( تغير قبل أن يموت بخمسة أشهر )
.
الرواية الثانية : صحيح ابن حبان : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
بْنِ مُكْرَمٍ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ
أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: لَقِيتُ أُبَيَّ
بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَحُكُّ
الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ، وَيَقُولُ: إِِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ
الْقُرْآنِ، فَلا تَجْعَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.قَالَ أُبَيٌّ: قِيلَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ لنا، فنحن نقول. كم
تعدون سورة الأحزاب من آية؟ قال: قُلْتُ: ثَلاثًا وَسَبْعِينَ.قَالَ أُبَيٌّ:
" وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إن كانت لتعدل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها آية
الرجم: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالا مِنَ اللَّهِ،
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " .
وهو أثر مكذوب .
علل السند :
1 ، ابن حبان , قال فيه أبو عمرو بن الصلاح
: ( ربما غلط الغلط الفاحش ) , وقال أيضاً : ( له أوهام كثيرة ) .
2 ـ عاصم بن بهدلة (عاصم بن أبي النجود
الأسدي ) , وهو ضعيف لسوء حفظه .
تنبيه : منصور بن المعتمر كان فيه
تشيع قليل و لم يكن بغال .
فضلاً عن نكارة المتن .
وبقية الروايات لا يصح لها سند , انظر
رسالتي : بطلان الرجم شرعاً وعقلاً .
والسؤال :
هل من الحكمة نسخ التلاوة ؟
هل من الحكمة نسخ التلاوة دون الحكم ؟
هل من الحكمة إعمال ما ليس في القرآن وإهمال
ما في القرآن ؟
هل من الحكمة إعمال "الشيخ
والشيخة" وإهمال الآيات التالية ؟
قال الله : " وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا
عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ
عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ
قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا
حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا
الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) " ( النساء ) .
وما الذي نسخ الآية رقم 16 ؟
لقد قال الحسن البصري المدلس : ( أول ما
نزل من حد الزنا الأذى، ثم الحبس، ثم الجلد أو الرجم، فكان ترتيب النزول على
خلاف ترتيب التلاوة ) . ( تفسير النسفي ) .
أي أن الحسن البصري الذي روى الأثر المكذوب
"خذوا عني" يرى أن الآية رقم 15 هي التي نسخت الآية رقم 16 , ثم نسخ أثره
المكذوب الآية رقم 15 .
وهذا كلام لا يقبله عاقل .
والأشد من ذلك أنهم وجدوا أن الأثر السابق
فيه اجتماع حدين فزعموا نسخه بأثر أنكتها (ماعز) وأثر الغامدية وأثر الجهنية وأثر العسيف
وأثر "الشيخ والشيخة" وأثر "لا يحل دم امرئ مسلم".
والسؤال : هل هذا الكلام يقبله عاقل ؟
كيف ينسخ المتقدم المتأخر ؟
كيف تنسخ الآية رقم 15 الآية رقم 16 ؟
أليس النسخ عندكم هو رفع حكم شرعي بدليل
شرعي متراخٍ عنه، أو هو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه عنه , أو هو الخطاب الدال
على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه ؟
أليس من شروط الناسخ أن يكون متأخراً عن
المنسوخ ؟
أليس المنسوخ هو الحكم الشرعي المرفوع بدليل
آخر متراخ عنه ؟
وهل يوجد تعارض بين الآيتين حتى يزعم
الأغبياء النسخ ؟
وهل من الحكمة النسخ ثم نسخ النسخ ثم نسخ
نسخ النسخ ؟
هل هذا دين حكيم أم لعبة ؟
وهل هذا العمل يصدر من إله حكيم أم يصدر من
مخلوق لا يعلم الصواب فيجرب في الناس حتى يستقر على رأي ؟
وليعلم كل محرف أن شيوخه يقولون أن سورة
الأحزاب نزلت قبل سورة النساء , وأن سورة النساء قد نزلت قبل سورة الطلاق , وأن
سورة الطلاق قد نزلت قبل سورة النور .
فترتيب سورة الأحزاب عندهم حسب النزول 90 وقيل 89 .
وترتيب سورة النساء عندهم حسب النزول 92 وقيل 91 .
وترتيب سورة الطلاق عندهم حسب النزول 99 وقيل 98 .
وترتيب سورة النور عندهم حسب النزول 102 .
والسؤال : كيف ينسخ المتقدم المتأخر ؟
إن الجملة المكذوبة "الشيخ والشيخة" الناسخة عندكم متقدمة على
سورة النساء ومن ثم فإن منسوخها وهو أثر "خذوا عني خذوا عني"
متقدم أيضاً على سورة النساء من باب أولى .
والسؤال : كيف تنسخون سورة النساء وهي متأخرة عن الناسخ المزعوم وناسخه
المزعوم ؟
وكيف تزعمون
أن سورة الطلاق وسورة النساء تشيران إلى مجيء ناسخ بعد ذلك , بالرغم من أن الجملة
المزعومة "الشيخ والشيخة" كانت قبل نزولهما ؟
وكيف تزعمون
أن أثر "خذوا عني" الناسخ المزعوم للآية رقم 15 من سورة النساء متقدم
على بقية آثار الرجم بما فيها "الشيخ والشيخة" رغم أن أثر "الشيخ
والشيخة" متقدم عندكم على سورة النساء وناسخها المزعوم عندكم ؟
أليست هذه
الاختلافات والتناقضات دليلاً على فساد مذهبكم وأنه من وساوس شياطين الإنس والجن ؟
قال الله :
" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ
اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " [النساء : 82]
كيف يكون ما في سورة الأحزاب معمولاً به أو
ناسخ , بينما سورة النساء هي المنسوخة ؟
وكيف يخصص ما في سورة النور بغير المحصنين
بدون دليل صحيح ؟
الرواية الثالثة : صحيح البخاري : حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: " كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي
مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ
حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا
أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، لَقَدْ بَايَعْتُ
فُلَانًا، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً
فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ
الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ
يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ
وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ
تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا
عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى
مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ
الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ، وَأَشْرَافِ النَّاسِ،
فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ،
وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عُقْبِ ذِي الْحَجَّةِ، فَلَمَّا
كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى
أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ
الْمِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ
أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا، قُلْتُ
لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ
مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا
عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ
مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ
يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ
انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ
لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه
وسلم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا
أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا،
رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا
بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ
مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ
أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى،
إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ
كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا
نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ
كُفْرٌ بِكُمْ، أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ
تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ،
وَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا
مِنْكُمْ، يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَلَا يَغْتَرَّنَّ
امْرُؤٌ أَنْ، يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً
وَتَمَّتْ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى
شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي
بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا
يُبَايَعُ هُوَ: وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا، وَإِنَّهُ
قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه
وسلم أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ
فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَمَنْ
مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لِأَبِي
بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ
الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ،
لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ
الْقَوْمُ، فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا:
نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ
لَا تَقْرَبُوهُمْ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ،
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا
رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا: فَقَالُوا: هَذَا
سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا
قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ،
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ
الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ
دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ
أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الْأَمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ، أَرَدْتُ أَنْ
أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي، أُرِيدُ أَنْ
أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ
الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى
رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ
أَحْلَمَ مِنِّي، وَأَوْقَرَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي
فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا،
حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ
أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ،
هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا، وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ
هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي
وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا فَلَمْ
أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ
عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ
إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ، فَقَالَ قَائِلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ،
مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ
وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ:
ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ
الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ:
قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ وَإِنَّا: وَاللَّهِ مَا
وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ،
خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ، أَنْ يُبَايِعُوا
رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى،
وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ
مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ
تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا " ( صحيح البخاري , صحيح ابن حبان , مسند أحمد
, البحر الزخار بمسند البزار , شرح السنة للبغوي , شرح أصول اعتقاد أهل السنة
والجماعة للالكائي , نواسخ القرآن لابن الجوزي , الفصل للوصل المدرج في النقل ,
فوائد ابن الباغيان ) .
وهو أثر مكذوب , ولقد جمعت رواياته المختلفة
فما صح منها شيء , ومن علل الأسانيد المختلفة لهذا الأثر :
إبراهيم بن سعد , وقد ذكره أبو جعفر العقيلي
في الضعفاء .
الزهري , وهو مشهور بالتدليس .
عبد الرزاق بن همام الحميري ( عبد الرزاق بن
همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني , أبو بكر ) , وهو متهم , وكان يدلس , وكان
يخطئ إذا حدث من حفظه , وقد اختلط , وكان يلقن , وكان يتشيع , وقد تكلم فيه البعض
, وقال عباس بن عبد العظيم العنبري : ( كذاب ، والواقدي أصدق منه ) , وقال يحيى بن
معين : ( ضعيف في سليمان ) .
معمر بن راشد , وفيه كلام , قال أبو حاتم :
ما حدث معمر بالبصرة فيه أغاليط ، و هو صالح الحديث .
وقال ابن أبى خيثمة : سمعت يحيى بن معين
يقول : إذا حدثك معمر عن العراقيين
فخالفه إلا عن الزهرى و ابن طاووس ، فإن
حديثه عنهما مستقيم ، فأما أهل الكوفة
وأهل البصرة فلا ، و ما عمل فى حديث الأعمش
شيئا .
وقال يحيى : و حديث معمر عن ثابت و عاصم بن
أبى النجود و هشام بن عروة و هذا الضرب مضطرب كثير الأوهام .
وقال يحيى بن معين : و أثبت من روى عن
الزهرى مالك بن أنس ، و معمر ، ثم
عقيل ، و الأوزاعى ، و يونس و كل ثبت ، و
معمر عن ثابت ضعيف .
وقال ابن حجر : ثقة ثبت فاضل إلا أن فى
روايته عن ثابت و الأعمش و هشام بن عروة شيئا و كذا فيما حدث به بالبصرة
وقال البيهقي: قال البخاري: ما أعجب حديث
معمر عن غير الزهري، فإنّه لا يكاد يوجد فيه حديث صحيح. اهـ.
مالك بن أنس , وهو يدلس تدليس التسوية وهو
أحقر أنواع التدليس .
هشيم بن بشير السلمي , وقيل فيه : كثير التدليس
والإرسال الخفي وكان يدلس تدليس التسوية , تغير بآخر موته لما ضاعت صحيفته ,
وروايته عن الزهري خاصة لينة عندهم , كذاب يزعم أنه سمع من المغيرة لا والله ما
سمع قليلا ولا كثيرا .
أحمد بن عبدة , قال فيه عبد الرحمن بن يوسف
بن خراش : تكلم الناس فيه .
سفيان بن عيينة , وهو مدلس وقد اختلط
, وقال فيه أحمد بن حنبل : أثبت الناس في عمرو بن دينار ، حافظ له غلط في
حديث الكوفيين ، وغلط في حديث الحجازيين في أشياء .
تنبيه : قال يحيى بن معين في صالح بن كيسان
الدوسي : ثقة ، ليس به بأس في الزهري ، ومرة قال في سؤالات عثمان بن طالوت البصري
: أكثر عن الزهري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : نسخ الحكم دون التلاوة : أي
نسخ حكم المتلو أو تعطيل المتلو أو الكفر ببعض الكتاب
واستدلت الفرق الضالة على هذا النوع بأمثلة
كثيرة .
المثال الأول : الصلاة :
قال تعالى : " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى
غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
(78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) " ( الإسراء ) .
قال تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " [هود : 114]
فلقد زعمت الفرق الضالة نسخ آيات الصلاة في القرآن بأثر الشِّعرة (
حديث المعراج ) , وهو أثر مكذوب , ومن ثم نسخت الفرق الضالة عدد الفروض من فرضين
اثنين إلى خمسة فروض .
انظر رسالتي : بيان الصلاة التي أمر الله
بها عباده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال الثاني : الرجم المزعوم :
قوله تعالى : " وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا
عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) " ( النساء ) .
فقد نسخوا الآية رقم 15 بأثر باطل وهو
: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: " كَانَ نَبِيُّ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ
لَهُ وَجْهُهُ، قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلُقِيَ كَذَلِكَ
فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ
سَبِيلًا الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ الثَّيِّبُ جَلْدُ
مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ
سَنَةٍ ". ( صحيح مسلم ) .
وهو أثر مكذوب , انظر
رسالتي بطلان الرجم شرعاً وعقلاً , فصل : بطلان نسخ قوله تعالى : "
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ..." .
والسؤال : ما الذي نسخ الآية رقم 16 ؟
قال الشافعي أن الآية رقم 15 هي التي نسخت
الآية رقم 16 ثم نسخ الأثر السابق الآية رقم 15 .
ثم لما رأوا اجتماع حدين في الأثر السابق
زعموا نسخه بأثر أنكتها ( أثر ماعز ) والغامدية والجهنية والعسيف والآية اليهودية
المكذوبة الشيخ والشيخة .
والسؤال : هل هذا الكلام يقبله عاقل ؟
كيف ينسخ المتقدم المتأخر ؟
وكيف ينسخ الأثر القرآن ؟
وكيف ينسخ الآحاد المتواتر ؟
وكيف ينسخ الضعيف الصحيح ؟
وهل من الحكمة النسخ ثم نسخ النسخ ثم نسخ
نسخ النسخ ؟
انظر رسالتي : بطلان الرجم شرعاً وعقلاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال الثالث : الزعم بنسخ الإحسان إلى
المسالم :
إنك لا تكاد تذكر آية في الإحسان إلى غير
المسلمين إلا ووجدت ضالاً يقول لك : ( كل ما في القرآن من إحسان إلى غير المسلم هو
منسوخ بآية السيف ) , فلقد زعمت الفرق الضالة أن آية السيف نسخت مائة آية تقريباً
.
والسؤال : ما هي آية السيف المزعومة عند
الفرق الضالة ؟
لا يعلمونها , فلقد حرفوا وخرفوا فاختلفوا .
هل نحن مأمورون بقتل المسالمين أو إكراههم
على الإسلام ؟
قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ
لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [البقرة : 256]
قال تعالى : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ
حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " [يونس : 99]
قال تعالى : " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ
دِينِ " [الكافرون : 6]
هل نحن مأمورون بقتل المسالمين من أهل
الكتاب وعدم جدالهم بالتي هي أحسن ؟
قال تعالى : " وَلَا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " [العنكبوت :
46]
هل نحن مأمورون بقتل المسالمين من أهل
الكتاب والمشركين والكفار وعدم البر والقسط إليهم ؟
قال تعالى : " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ " [الممتحنة : 8]
وسبب زعم الفرق الضالة بنسخ آيات الإحسان
لغير المسلمين , أن المغفلين لم يفطنوا إلى أن معاملة المسالم مختلفة عن معاملة
المحارب , فآيات الإحسان هي في المسالم , وآيات الحرب والغلظة والشدة هي في
المحارب , والحكمة هي وضع الحق في موضعه , لأن وضعه في غير موضعه يجعله باطلاً .
انظر رسالتي : معاملة غير المسليمن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال الرابع : الزعم بنسخ الوصية للوالدين
والأقربين :
قال تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " [البقرة :
180]
ولقد نسخت الفرق الضالة كتاب الله تعالى
بأثر: ( لا وصية لوارث ) ورغم بطلان هذا الأثر واعترافهم ببطلانه إلا أنهم
اتفقوا على نسخ كتاب الله تعالى وإعمال هذا الباطل .
ولنتدبر الآيات التي تليها :
قال تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ
بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ
إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (182) " ( البقرة ) .
والسؤال : هل بدلتم كلام الله أم لا ؟
هل كفرتم ببعض الكتاب أم لا ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال الخامس : الزعم بنسخ الوصية للزوجات :
قال تعالى : " وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ
مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (242) " ( البقرة ) .
فلقد ظنت الفرق الضالة أن الآيات السابقة في
العدة أو المواريث , وهذا الفهم الباطل جاء بسبب استدلالهم بالأكاذيب وعدم تدبر
القرآن .
لذا زعمت الفرق الضالة نسخ الآيات رقم 240
بقوله تعالى : " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [البقرة : 234] ,
وقوله تعالى : " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ
الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ
غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ " [النساء
: 12]
والسؤال : كيف ينسخ المتقدم المتأخر ؟
إن الأصل في الآيات هو الترتيب حسب النزول ,
ومن قال بعدم ترتيب آيات سورة البقرة وأن الآية رقم 240 نزلت قبل الآية 234 فعليه
بالدليل الصحيح .
وكيف تزعم الفرق الضالة النسخ ولا يوجد
تعارض بين الآيات ؟
إن الجهة منفكة , فالآية 240 من سورة البقرة
في الوصية بالمتاع والسكنى , والآية 234 من سورة البقرة في العدة , والآية 12 من
سورة النساء في المواريث .
ولقد استدلت الفرق الضالة بعدة روايات
مكذوبة , وأكتفي بالروايات التالية :
الرواية الأولى : صحيح البخاري : حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ
بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا " ، قَالَ: " قَدْ نَسَخَتْهَا
الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي،
لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ " .
وهو أثر باطل .
علل السند :
1 ـ البخاري فقد كان مدلساً , ولو أخذنا بالرأي الأول في المدلس
لرددنا كل روياته سواء التي صرح فيها بالسماع أو التي لم يصرح .
2 ـ عبد الله بن أبي مليكة القرشي , قال
الدراقطني في سؤالات أبي عبد الرحمن السلمي : ( ليس بالقوي ، وهو أقدم شيخ حدث عنه
الشافعي ) , وذكره الذهبي في الميزان وقال : ( لا يعرف ) ، ذكره في الكاشف ، وقال
: ( سمع عائشة ، وابن عباس ، وعنه أيوب ، والليث ) .
3 ـ أثر موقوف , فلو سلمنا جدلاً بصحة سنده
إلى عثمان رضي الله عنه , فهو فهم صحابي وليس حكماً إلهياً .
4 ـ فضلاً عن عدم تصريح بعض الرواة بالسماع
, وإني أشترط صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
كما توجد روايات أخرى عن ابن عباس تزعم
النسخ , ويكفي أن نقول أن ابن عباس ليس بصحابي , فقد كان صغيراً ولا يصح تحمله ,
فضلاً عن ضعف الأسانيد إليه .
الرواية الثانية : الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي :
وَأَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّوْرِيُّ، أنا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْحَسَنِ، أنا مَنْصُورُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أنا أَبُو
بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل : " وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا " الْآيَةَ، وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْفَارِعَةِ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ
سِنَانٍ، وَكَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ " .
علل السند :
1 ـ إبراهيم بن الحسن الصيداوي , وهو مجهول
الحال .
2 ـ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر ,
كان أبو جعفر العقيلي يحمل عليه وينسبه إلى الكذب , وقال مسلمة بن القاسم الأندلسي
: لا يحسن الحديث ، وكان يحتج في كتبه بالضعيف على الصحيح وبالمرسل على المسند .
3 ـ الإرسال .
الرواية الثالثة : جامع الترمذي
: حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، أَنْبَأَنَا مَعْنٌ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ إِسْحَاق بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ
بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ
سِنَانٍ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْبَرَتْهَا،
أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ، أَنْ تَرْجِعَ
إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ
أَعْبُدٍ لَهُ، أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ، لَحِقَهُمْ
فَقَتَلُوهُ.قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ
إِلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ، وَلَا
نَفَقَةً، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " نَعَمْ
"، قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي
الْمَسْجِدِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمَرَ بِي
فَنُودِيتُ لَهُ، فَقَالَ: " كَيْفَ قُلْتِ؟ " قَالَتْ: فَرَدَدْتُ
عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَ: "
امْكُثِي فِي بَيْتِكِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ".قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ
فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ
إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى
بِهِ.حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ، أَنْبَأَنَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَاق بْنِ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ.قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ،
لَمْ يَرَوْا لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، حَتَّى
تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ
شَاءَتْ، وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا .قَالَ أَبُو عِيسَى:
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ .
علل السند الأول :
1 ـ مالك بن أنس الأصبحي , وهو يدلس تدليس
التسوية وهو أحقر أنواع التدليس .
2 ـ إسحاق بن سعد بن كعب بن عجرة , ذكر له
البخاري حديثا في التاريخ الكبير وقال : ليس يعرف إلا بهذا ، لا أدري حفظه أم لا .
3 ـ فضلاً عن عدم تصريح بعض الرواة بالسماع
, وإني أشترط صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
علل السند الثاني :
1 ـ محمد بن بشار العبدي ( بندار ) :
قال عبد الله بن محمد بن سيار : سمعت أبا حفص عمرو بن على الفلاس
يحلف أن بندارا يكذب فيما يروى عن يحيى .
وقال عبد الله بن على ابن المدينى : سمعت أبى ، وسألته عن حديث رواه
بندار عن ابن مهدى عن أبى بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، عن النبى
صلى الله عليه وسلم قال : " تسحروا فإن فى السحور بركة " .
فقال : هذا كذب ، حدثنى أبو داود موقوفا ، و أنكره أشد الإنكار .
وقال أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدى الحافظ : حدثنا محمد بن جعفر
المطيرى قال : حدثنا عبد الله ابن الدورقى ، قال : كنا عند يحيى بن
معين و جرى ذكر بندار فرأيت يحيى بن معين لا يعبأ به ويستضعفه .
وقال محمد بن المثنى : ( منا قوم لو قدروا أن يسرقوا حديث داود
لسرقوه ، يعني به بندارا ) .
وقال عبد الرؤوف المناوي : ( ثقة ، ولكن يقرأ من كل كتاب )
وقال عبد الله بن محمد بن سيار أيضا : أبو موسى و بندار ثقتان ، وأبو
موسى أحج لأنه كان لا يقرأ إلا من كتابه ، وبندار يقرأ من كل كتاب .
وقال أبو عبيد الآجرى : سمعت أبا داود يقول : كتبت عن بندار نحوا من
خمسين ألف حديث ، وكتبت عن أبى موسى شيئا ، وهو أثبت من بندار . ثم قال :
لولا سلامة فى بندار ترك حديثه .
وقال ابن الدورقى : ورأيت القواريرى لا يرضاه و قال : كان صاحب حمام
.
وقال الذهبى : لم يرحل ففاته كبار و اقتنع بعلماء البصرة ، أرجو أنه
لا بأس به .
وقال إسحاق بن إبراهيم القزاز : كنا عند بندار فقال فى حديث عن عائشة
: قال : قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له رجل يسخر منه : أعيذك بالله
ما أفصحك !! فقال : كنا إذا خرجنا من عند روح دخلنا إلى أبى عبيدة . فقال :
قد بان ذاك عليك !
2 ـ إسحاق بن سعد بن كعب بن عجرة , ذكر له
البخاري حديثا في التاريخ الكبير وقال : ليس يعرف إلا بهذا ، لا أدري حفظه أم لا .
3 ـ عدم تصريح بعض الرواة بالسماع , وإني
أشترط صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
فضلاً عن التفرد .
تنبيه : يحيى بن سعيد هو يحيى بن سعيد
القطان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال السادس : الزعم بنسخ رزق أولي القربى واليتامى والمساكين إذا
حضروا القسمة :
قال تعالى : " وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا
مَعْرُوفًا " ( النساء : 8 ) . ( النساء ) .
فقد زعم بعض الجهلاء أن الآية السابقة منسوخة بآية الفرائض .
ولنتدبر الآية التي قبلها , قال تعالى : " لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا
مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)
" ( النساء ) .
والسؤال : هل تزعمون أن الآية السابعة منسوخة أيضاً ؟
إن الآية السابعة نزلت قبل الثامنة أو معها ومن قال لا فعليه بالدليل
الصحيح لأن الاصل هو الترتيب .
إن الآية السابعة تدل على وجود أنصبة مثل آيات المواريث , والآية
الثامنة لا تعارض ذلك بل تدل على وجود شيء إضافي فوق الأنصبة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال السابع : قوله تعالى : " لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ
تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( البقرة : 284 ) .
فقد نسختها الفرق الضالة بقوله تعالى : " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا
تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
" ( البقرة : 286 ) .
واستدلوا على ذلك بآثار باطلة , وسأكتفي بالروايات التالية :
الرواية الأولى : صحيح مسلم : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، وَأُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ، وَاللَّفْظُ
لِأُمَيَّةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ
وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَال: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ
تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ " ، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَرَكُوا
عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ
مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْجِهَادُ، وَالصَّدَقَةُ، وَقَدْ
أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم : " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ
أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا:
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، قَالُوا:
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا
اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي
إِثْرِهَا " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " ، فَلَمَّا فَعَلُوا
ذَلِكَ، نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل " لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
" ، قَالَ: نَعَمْ، " رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا
إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا " ، قَالَ:
نَعَمْ، " رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
" ، قَالَ: نَعَمْ، " وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
" ، قَالَ: نَعَمْ " .
علل السند الأول :
1 ـ العلاء بن عبد الرحمن الحرقي (علاء بن
عبد الرحمن بن يعقوب ) , وهو وضاع .
2 ـ أبو هريرة وهو متهم .
علل السند الثاني :
1 ـ أمية بن بسطام العيشي , وهو لم يوثق
التوثيق المعتبر .
2 ـ العلاء بن عبد الرحمن الحرقي (علاء بن
عبد الرحمن بن يعقوب ) , وهو وضاع .
3 ـ أبو هريرة وهو متهم .
فضلاً عن عدم تصريح بعض الرواة بالسماع ,
وأنا أشترط صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
الرواية الثانية : صحيح مسلم :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو
كُرَيْبٍ، وَإِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي
بَكْرٍ، قَالَ إِسْحَاق: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ
بْنِ سُلَيْمَانَ مَوْلَى خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ
بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي
أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ " ، قَالَ:
دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " قُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا "، قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ الإِيمَانَ فِي
قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: " لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا
" ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ " رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ
عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا "، قَالَ: قَدْ
فَعَلْتُ " وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا
" ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ .
علل الإسناد الأول والثاني والثالث :
1 ـ وكيع بن الجراح الرؤاسي , قال فيه محمد
بن نصر المروزي : حدث بآخره من حفظه فيغير ألفاظ الحديث .
2 ـ سفيان الثوري , وهو مدلس .
3 ـ ابن عباس وهو ليس من الصحابة , فقد كان
صغيراً ولا يصح تحمله .
فضلاً عن عدم تصريح بعض الرواة بالسماع ,
وأنا أشترط صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
تنبيه 1 : إسحاق بن راهويه المروزي ( إسحاق
بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر ) , قال فيه أبو داود السجستاني : تغير قبل
أن يموت بخمسة أشهر .
تنبيه 2 : آدم بن سليمان القرشي , لم يوثقه
إلا النسائي .
والسؤال هل يوجد تعارض بين الآيتين ؟
لا يوجد .
هل يوجد دليل صحيح على النسخ ؟
لا يوجد .
فكيف يزعم محرف ومخرف النسخ ؟
وكيف يقلد مغفل ذلك المفتري الكذاب ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال الثامن :
قال تعالى : " أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
" ( البقرة : 184 ) .
فلقد زعمت الفرق الضالة أن الآية السابقة منسوخة بالآية التالية :
قال تعالى : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ
بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا
هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " ( البقرة : 185 ) .
واستدلت الفرق الضالة بآثار باطلة , وسأكتفي بالروايات التالية :
الرواية الأولى : عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ " كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى
نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا، قَالَ أَبُو عَبْد
اللَّهِ: مَاتَ بُكَيْرٌ، قَبْلَ يَزِيدَ ( صحيح البخاري بَاب " فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " واللفظ له , صحيح مسلم بَاب
بَيَانِ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ "
بِقَوْلِهِ: " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ") .
الرواية الثانية : عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَاءَ صَامَ،
وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ، حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ "( صحيح مسلم ,
بَاب بَيَانِ نَسْخِ قَوْله تَعَالَى " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ " بِقَوْلِهِ: " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ ")
علل الأسانيد :
1 ـ البخاري فقد كان مدلساً , ولو أخذنا بالرأي الأول في المدلس
لرددنا كل روياته سواء التي صرح فيها بالسماع أو التي لم يصرح .
2 ـ مسلم فقد كان مدلساً , ولو أخذنا بالرأي الأول في المدلس لرددنا
كل روياته سواء التي صرح فيها بالسماع أو التي لم يصرح
3 ـ عمرو بن الحارث الأنصاري , قال
أحمد بن حنبل : ( له مناكير ) ، وكان يحمل عليه حملا شديدا ، ويقول : ( يروي عن
قتادة أحاديث مضطربة و يخطئ ) , وقال الذهبي : ( أحد الأعلام ، حجة له غرائب ) .
4 ـ عدم تصريح بعض الرواة بالسماع , وإني أشترط
صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
الرواية الثالثة : صحيح البخاري : حَدَّثَنَا عَيَّاشُ
بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّهُ قَرَأَ: 0
فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ 0، قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ "( صحيح
البخاري , بَاب " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " )
علل السند :
1 ـ البخاري فقد كان مدلساً , ولو أخذنا بالرأي الأول في المدلس
لرددنا كل روياته سواء التي صرح فيها بالسماع أو التي لم يصرح .
2 ـ عبد الأعلى بن عبد الأعلى القرشي :
ذكره أبو حاتم بن حبان البستي في الثقات
وقال : كان متقنا في الحديث قدريا غير داعية إليه .
وقال أبو زرعة الرازي : ثقة ، ومرة ذكره في
الضعفاء والكذابين والمتروكين ، وقال : كان يرى القدر
وقال أحمد بن حنبل : يرى القدر .
وقال الذهبي : ثقة لكنه قدري .
وقال محمد بن بشار العبدي : والله ما كان
يدري عبد الأعلى بن عبد الأعلى أن طرفيه أطول أو أن رجليه أطول .
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي : لم يكن
بالقوي .
وقال ابن حجر العسقلاني في التقريب : ثقة ،
وعقب في هدي الساري على قول ابن سعد فقال : هذا جرح مردود غير مبين ولعله بسبب
القدر وقد احتج به الأئمة كلهم .
3 ـ نافع , وهو يرسل .
4 ـ أثر موقوف , فلو سلمنا جدلاً بصحة سنده إلى أم سلمة رضي الله
عنها , فهو فهم لصحابية وليس حكماً إلهياً .
5 ـ عدم تصريح بعض الرواة بالسماع , وإني أشترط صحة التصريح بالسماع
لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
والخلاصة : إن الآية غير منسوخة , فمن يستطع الصوم ولن يصوم من أجل
المشقة في العمل مثلاً فعليه الفدية .
ولكني أتعجب من إصرار المحرفين على ضلالهم , فلقد زعم البعض بالنسخ
كما سبق , بينما زعم البعض بأنها ( لا يطيقونه ) وليس ( يطيقونه ) , والسؤال :
أليس هذا بتحريف لكتاب الله ؟
إن لم يكن هذا تحريفاً فلا توجد حقيقة للتحريف ولا يوجد شيء اسمه
تحريف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال التاسع :
قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ
عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا
أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) " . (
الأنفال ) .
وأقول من أراد نسخ الآية رقم 65 بالآية رقم
66 فله ذلك , ولكن بشرط التعارض بين الآيتين , والسؤال : هل يوجد تعارض بين
الآيتين بحيث لا يمكن الجمع بينهما بأي طريق ؟
لا , فالجمع يسير ولا أرى تعارضاً .
فالآية رقم 66 قد خففت الحكم بسبب ضعف
المسلمين , فإذا زال الضعف زال الحكم المخفف ورجعنا إلى الحكم الأول , فهذا كالاضطرار
وليس نسخاً.
ومن أراد اعتبار تغير الأحكام بتغير الأحوال
نسخاً فله ذلك , فالخلاف لساني ( لغوي ) فقط .
فمن أراد اعتبار التيمم ناسخاً للوضوء في
حالة عدم توفر المياه أو المشقة فله ذلك ؟, ومن أراد اعتبار الوضوء ناسخاً للتيمم
في حالة وجود المياه فله ذلك فالمسألة لسانية , ولكنه قد أخل بشروط قد وضعه بعض
علماء الأصول وهو : أن يكون الخطاب المنسوخ حكمه مما لا يدخله الاستثناء أو
التخصيص .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال العاشر :
قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ
أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ
خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً
إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ
يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا
فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا
يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ
تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ
عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا
يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ
مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
رَقِيبًا (52) " . ( الأحزاب ) .
فلقد ظن الجهلاء أن معنى الآية 52 هو : لا
يحل لك النساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
لذا زعمت الفرق الضالة أن الآية رقم 50
منسوخة بالآية رقم 52 , ثم تمادى بعضهم في التحريف ونسخوا الآية رقم 52 بالآية رقم
51 , ومنهم من نسخ الآية رقم 52 بآثار مكذوبة .
وهذا فهم باطل , فالآية رقم 50 في أصناف
النساء التي أحلها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم , وليس المراد أنهن زوجاته
أو أنه تزوجهن كلهن .
ومعنى الآية رقم 52 هو : لا يحل لك النساء
من بعد تلك الأصناف المذكورة , أي : لا يحل لك من النساء إلا التي أحللناها
لك , بمعنى : لا يحل لك النساء بعد التي أحللنا لك بقولنا يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ... إلى قوله "اللاتِي
هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا"
وليس المراد بها لا يحل لك النساء من بعد
زوجاتك , فهذا الفهم باطل ويعارض سورة التحريم , قال تعالى : " عَسَى رَبُّهُ
إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ
مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا
" [التحريم : 5].
وكما بين الله تعالى للمؤمنين أصناف النساء
بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أصنافهن أيضاً , قال تعالى : "
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ
وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ
أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ
مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ
بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ
تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا
عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ
ضَعِيفًا (28) " ( النساء ) .
وكما قال الله تعالى للمؤمنين : "
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ " , قال لنبيه صلى الله عليه وسلم :
" لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ
مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ
" .
سؤال : ألم تنزل سورة الأحزاب قبل سورة
التحريم ؟
فترتيب سورة الأحزاب حسب النزول هو 90 وقيل 89
وترتيب سورة التحريم حسب النزول هو 107
والسؤال : كيف أن سورة الأحزاب نزلت قبل سورة التحريم , وسورة
الأحزاب تبيح للنبي صلى الله عليه وسلم أصناقاً من النساء ثم تحرمهن عليه ـ حسب
فهمكم ـ بينما سورة التحريم تحلل ذلك ؟
ولمن تمادى في التحريف كيف تبيح سورة الأحزاب أصنافاً من النساء
للنبي صلى الله عليه وسلم ثم تحرمهن عليه ثم تبيحهن له , ثم تبيحهن له أيضاً سورة
التحريم ؟
هل هذا التردد والتذبذب في الأحكام يدل على الحكمة ؟
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ
هل من الحكمة النسخ ثم نسخ النسخ ؟
هل هذا دين أم لعبة ؟
فضلاً عن أن ادعاء النسخ لا يجوز إلا بعد
الدليل عليه وعند التعارض , ولا يوجد دليل أو تعارض فالجهة منفكة .
والخلاصة : إما أن فهمكم فاسد , وإما أن
النساء الحديثات مما ملكت يمينه صلى الله عليه وسلم , كما قال تعالى :
" لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ
مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا " ( الأحزاب : 52 ) .
وأنا أختار أن فهمكم فاسد .
ولقد استدلت الفرق الضالة على تحريفها ببعض
الآثار المكذوبة , مثل الأثر التالي :
الناسخ والمنسوخ للنحاس : كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ،، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: "
لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحَلَّ
اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ شَاءَ إِلَّا ذَاتَ مَحْرَمٍ،
وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى " تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ
وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ". وَهَذَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَهُوَ وقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا وَاحِدٌ فِي النَّسْخِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ أَرَادَتْ
أَحَلَّ لَهُ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ مَعَ هَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ،
وَالضَّحَّاكِ وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ فَقَالَ مُحَالٌ
أَنْ تَنْسَخَ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي " تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ
مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُقف لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ
بَعْدُ " وَهِيَ قَبْلَهَا فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي أَجْمَعَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَقَوَّى قَوْلَ مَنْ قَالَ نُسِخَتْ بِالسُّنَّةِ
لِأَنَّهُ مَذْهَبُ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ
الْمُعَارَضَةُ لَا تَلْزَمُ، وَقَائِلُهَا غَالِطٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ
بِمَنْزِلَةِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أُنْزِلَ
الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
" وَيُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ اعْتِرَاضَ هَذَا لَا يَلْزَمُ قَوْلَهُ عز
وجل " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ " مَنْسُوخَةٌ
عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا بِالْآيَةِ
الَّتِي قَبْلَهَا " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
" ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
حُظِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى نِسَائِهِ لِأَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ اللَّهَ
عز وجل وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَعُوِّضْنَ هَذَا
قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ثُمَّ
نُسِخَ فَإِنْ قَالَ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مَا كَانَ ثَوَابًا؟ قِيلَ
يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مَا كَانَ ثَوَابًا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي
الثَّوَابِ فَيَكُونُ هَذَا نَسْخٌ وَعِوَضٌ مِنْهُ أَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي
الْجَنَّةِ فَهَذَا أَعْظَمُ خَطَرًا وَأَجَلُّ مِقْدَارًا كَمَا قَالَ حُذَيْفَةُ
لِامْرَأَتِهِ: " لَا تَزَوَّجِي بَعْدِي فَإِنَّ آخِرَ أَزْوَاجِ
الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا فِي الْجَنَّةِ "، ولِذَلِكَ حُظِرَ عَلَى نِسَاءِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ، وَالْقَوْلُ
الرَّابِعُ: إِنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ
حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهُنَّ قَوْلُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لَكَ
النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ هَذِهِ قَوْلُ ابْنِ أَبِي رَزِينٍ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ وَالْقَوْلُ
السَّادِسُ: إِنَّ الْمَعْنَى لَا تَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ الْمُسْلِمَاتِ
قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ: "
لِئَلَّا تَكُونَ كَافِرَةً أُمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ يَبْعُدُ
لِأَنَّهُ يُقَدِّرُهُ مِنْ بَعْدِ الْمُسْلِمَاتِ وَلَمْ يَجْرِ لِلْمُسْلِمَاتِ
ذِكْرٌ " وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: إِنَّهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَ
بَعْضَ نِسَائِهِ بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ
لِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ " وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ " وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ: وَلَا أَنْ تُبَادِلَ، وَحَكَى
ابْنُ زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ، أَنَّهَا كَانَتْ تُبَادِلُ بِأَزْوَاجِهَا، يَقُولُ
أَحَدُهُمْ خُذْ زَوْجَتِي وَأَعْطِنِي زَوْجَتَكَ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ
عِنْدَ النَّاقِلِينَ لِأَفْعَالِ الْعَرَبِ، وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ: إِنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ حَلَالٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ
مِنَ النِّسَاءِ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ
قَالَ: وَكَذَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، تَزَوَّجَ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعَمِائَةِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَكَانَ لَهُ
ثَلَاثُمِائَةِ مَمْلُوكَةٍ فَذَلِكَ أَلْفٌ، وَكَانَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ مِائَةُ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ سُلَيْمَانَ امْرَأَةُ أُورِيَا
بْنِ حَنَانٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ غُفْرَةَ: " لَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ مَا
لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شُغُلٌ إِلَّا التَّزَوُّجُ فَحَسَدُوهُ عَلَى
ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل " أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا " كَانَ
لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْفُ امْرَأَةٍ مِنْهَا سَبْعُمِائَةِ
حُرَّةٍ وَكَانَ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ " .
علل الإسناد :
1 ـ جعفر بن سليمان البرمكي , وهو مجهول
الحال .
2 ـ إبراهيم بن المنذر الحزامي , كان أحمد
بن حنبل يتكلم فيه ويذمه ، لأنه دخل إلى ابن أبي داود في فتنة خلق القرآن , وقال
زكريا بن يحيى الساجي : عنده مناكير , وقال ابن حجر في التقريب : صدوق تكلم فيه
أحمد لأجل القرآن ، وقال في هدي الساري : اعتمده البخاري وانتقى من حديثه وروى له
الترمذي والنسائي
3 ـ عمر بن أبي بكر العدوي الموصلي ,
وهو متروك الحديث .
4 ـ المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي , وهو
ضعيف .
5 ـ أبو النضر مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ , وهو يرسل .
6 ـ أثر موقوف , فلو سلمنا جدلاً بصحة سنده
إلى أم سلمة رضي الله عنها , فهو فهم لصحابية وليس حكماً إلهياً .
7 ـ فضلاً عن عدم تصريح بعض الرواة بالسماع
, وإني أشترط صحة التصريح بالسماع لأن كلهم يرسلون ويدلسون .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال الحادي عشر :
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ
لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
(13) " ( المجادلة ) .
ولقد زعمت الفرق الضالة أن الآية 12 منسوخة
بالآية 13 , واستدلوا بآثار باطلة السند مضطربة المتن على ذلك .
والسؤال : هل يصح أثر يفيد أنها منسوخة وأن
علياً رضي الله عنه هو الوحيد الذي قام بتلك الصدقة ؟
لا يصح , فلا يوجد أثر رواته ثقات وقد صرحوا
بالسماع , فضلاً عن اضطراب المتن , فهل كانت ساعة أم تصدق عشر مرات ؟
والسؤال لم زعم النسخ : هل يوجد تعارض بين
الآيتين ؟
لا يوجد .
بل قوله تعالى : " فَإِذْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ,
تدل على أن الصدقة مستمرة غير منسوخة , وأن من لم يتصدق فإن الله تعالى تاب عليه ,
أي أن التصدق أفضل من عدمه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأخيراً :
هل هذه الآثار التي تزعم النسخ صحيحة ؟
هل تليق هذه الأسانيد برب العالمين ؟
هل من المعقول أن يختار أحكم الحاكمين ثلة من المغفلين والمختلطين
والمدلسين والوضاعين لحفظ آثار النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يريد حفظها ؟
هل صحيح البخاري صحيح كما يؤمن السلفيون ؟
هل صحيح مسلم صحيح كما يؤمن السلفيون ؟
هل ادعاء النسخ في الكثير من الآيات يصد عن الإسلام أم لا ؟
هل ادعاء النسخ يشوه صورة الإسلام ويطعن في حكمة أحكم الحاكمين أم لا
؟
هل ادعاء النسخ بأدلة باطلة كفر بالآيات المزعوم نسخها أم لا ؟
هل ادعاء نسخ المتأخر بالمتقدم جنون أم لا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب
العالمين