السبت، 31 أكتوبر 2015

الرد إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر

بطلان حجية الآثار

الرد إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر

كتب : محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني , تبيين الحق ) :

التاريخ : 18 من محرم 1437 هـ , 31 / 10 / 2015 م .

أولاً : قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " [النساء : 59]

والسؤال : ما معنى رد الشيء إلى الله ؟ وما معنى رد الشيء إلى الرسول ؟

رد الشيء إلى الله هو أن يكون الحكم في الشيء هو حكم الله .

قال الله : " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " [الشورى : 10]

وحكم الله في كتابه وليس في آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين .

قال الله : " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ " [الرعد : 37]

قال الله : " المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) " ( الأعراف ) .

قال الله : " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) " ( المائدة ) .

فلقد ذكر الله التوراة ولم يذكر الآثار المنسوبة إلى موسى , وهل أمرهم الله إلا باتباع التوراة والحكم بها ؟

ولقد ذكر الله الإنجيل ولم يذكر الآثار المنسوبة إلى عيسى , وهل أمرهم الله إلا باتباع الإنجيل والحكم به ؟

ولقد ذكر الله الكتاب ولم يذكر الآثار المنسوبة إلى النبي , وهل أمرنا الله إلا باتباع القرآن والحكم به ؟

ورد الشيء إلى الرسول هو استفتاء الرسول وهو حي عن حكم هذا الشيء , والرسول سيتلو آيات الله الخاصة بهذا الشيء , أي سيبين لهم حكم الله في الشيء , ولن يأتي بحكم من عنده , فكلمة رسول تعني أنه يحمل رسالة من ربه وسيبلغها لنا , وهي القرآن , وليس معناها أنه يأتي بأحكام من عنده .

والعجيب أن القول بأن المراد هو طاعة الرسول وهو حي هو قول معتبر عند الأثريين , فالمسألة خلافية عندهم , فكيف يتكرون الآن على من يقولها ؟

قال الطبري : وقال آخرون: ذلك أمرٌ من الله بطاعة الرّسول في حياته. *ذكر من قال ذلك: 9855 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، إن كان حيًّا. ( تفسير الطبري ) .

وقد يقول أثري مدلس : وهل معصية الرسول تجوز وهو ميت ؟

وأقول : إن الرسول لم يخالف أمر الله المبيَّن في كتابه , وآثاركم المنسوبة إلى النبي التي تخالف كتاب الله أو تلغيه أو تنسخه أو تزعم نقصانه أو إبهامه هي آثار مكذوبة مفتراة على النبي .

فأنتم تكفرون بكتاب الله , وتطيعون شياطين الإنس والجن الممثلة في آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين , فلا تزعموا أنكم تؤمنون بالكتاب كله أو تطيعون الرسول .

فضلاً عن أنكم تؤمنون بأن للأنبياء أخطاء سواء في المسائل الدينية أو الدنيوية , وأن المعصوم هو الكتاب فقط , فهل ستتبعون الأنبياء في أخطائهم وتعصون الله ؟

ثانياً : قال الله : " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " [النساء : 83]

والسؤال : ما معنى رد الأمر إلى الرسول ؟ وما معنى رد الأمر إلى أولي الأمر ؟

رد الأمر إلى الرسول هو رد الأمر إليه في حياته , والرسول سيتلو آيات الله الخاصة بهذا الأمر , والتي تحتوي على حكم الله في هذا الأمر , ولن يأتي بحكم من عنده , فهو رسول يبلغ رسالة ربه , وهو متبع وليس بمخالف أو مبتدع .

والذين يستنبطون الأمر سيعلمونه بعدما يسمعون آيات الله الخاصة بهذا الأمر .

والسؤال : ما معنى رد الأمر إلى أولي الأمر ؟

أولو الأمر هم العلماء الأمناء , والأمراء العلماء الأمناء , وكل من له ولاية أو أمر كالأب والزوج بشرط العلم والأمانة , لأن الجهل والخيانة يبطلان الولاية .

والمعنى : رد الأمر إلى هؤلاء وهم أحياء , ولا يقول عاقل سأذهب إلى قبر خليفة أو ملك أو رئيس ميت لأرد الأمر إليه .

ولا يقول عاقل برد الأمر إلى آثار ولاة الأمور المتوفين , بل المراد رد الأمر إلى ولاة الأمور الأحياء .

وسنفترض أن الرسول قد صح أنه أمر بشيء ليس في القرآن , فهنا نقول أن هذا في زمنه فقط , فالقرآن فقط هو الصالح والمصلح لكل زمان ومكان , وإن الرسول كان ولياً للأمر وحاكماً وقاضياً في حياته , وإن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والحال , ومسائل الولاية تختلف باختلاف الأزمان والأماكن والأحوال ,

فضلاً عن أنه لم يصح إلى النبي أي أثر .

وبالقياس ما دام المراد هو رد الأمر إلى ولاة الأمور وهم أحياء فإن المراد رد الأمر إلى الرسول وهو حي .

وكما أن آثار ولاة الأمور محرفة فهي غير مجموعة أو محفوظة, كذلك الآثار المنسوبة إلى النبي محرفة , لأن الله لم يأخذ عهداً على نفسه بجمعها أو حفظها , ولو التزمنا بشروطي في قبول الأثر لن يصح أثر , لأن رواة الآثار مجاهيل ومغفلون ومدلسون ووضاعون .

فآيتا سورة النساء رقم 59 , 83 تبينان أن المعنى هو الرد إلى النبي في حياته بالقياس على ولاة الأمور , كما أن الآيات اتالية ستبين ذلك أيضاً .

قال الله : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) " ( النور ) .

والسؤال : كيف تستأذنون النبي الآن ؟ هل معنى الآية استئذان النبي بعد موته ؟ أم المعنى استئذان آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين ؟ أم أن المعنى هو استئذان النبي في حياته ؟

قال الله : " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [المائدة : 42]

هل معنى الآية المجيء إلى النبي وهو ميت ليحكم بينهم ؟ هل يجيء عاقل إلى النبي وهو ميت من أجل الحكم ؟ هل يحكم بينكم النبي الآن أو يعرض عنكم ؟ أم معناها المجيء إلى آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين ؟ أم أن المعنى المحيء إليه وهو حي ليحكم بينهم ؟

قال الله : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا " [النساء : 64]

هل معنى الآية المجيء إلى النبي بعد وفاته أيضاً عند ظلم النفس ؟ هل تجيئون للنبي وهو ميت عندما تظلمون أنفسكم ؟ أم المعنى المجيء إلى آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين عند ظلم النفس ؟ أم أن المعنى المجيء إلى النبي وهو حي عند ظلم النفس ؟

قال الله : " فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا " [النساء : 62]

هل معنى الآية المجيء إلى النبي بعد وفاته أيضاً عندما تصيبكم مصيبة والحلف له ؟ هل تجيئون للنبي وهو ميت عندما تصيبكم مصيبة وتحلفون له ؟ أم المعنى المجيء إلى آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين ؟ أم أن المعنى المجيء إلى النبي وهو حي ؟

قال الله : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ " [المجادلة : 8]

هل معنى الآية مجيء هؤلاء إلى النبي بعد وفاته وتحيته ؟ أم المعنى المجيء إلى آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين وتحيتها ؟ أم المعنى المجيء إلى النبي وهو حي ؟

قال الله : " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " [الأنعام : 25]

هل معنى الآية المجيء إلى النبي بعد وفاته ومجادلته ؟ أم المعنى المجيء إلى آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين ومجادلتها ؟ أم أن المعنى المجيء إلى النبي وهو حي ومجادلته ؟

والخلاصة :

إن الحكم هو حكم الله , وحكم الله في كتابه الكافي الكامل التام المبين والمفصل في نفسه والتبيان والتفصيل لكل أمور الدين , ومن قال غير ذلك فق كفر .

إن الرسول يبلغ رسالة ربه وهي القرآن وهو متبع لتلك الرسالة وليس بمخالف لها أو مبتدع .

الرد إلى الرسول وإلى ولاة الأمور يكون في حياتهم لأنهم سيتلون آيات الله الخاصة بالأمر .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين


الاثنين، 26 أكتوبر 2015

ما هي الحكمة ؟

رسالة : بطلان حجية الآثار

فصل : ما هي الحكمة ؟

كتب : محمد الأنور آل كيال :

التاريخ : 14 من محرم 1437 هـ , 27 / 10 / 2015 م .

لقد فسرت الفرق الأثرية الحكمة بآثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين , ورددت ما قالته شياطين الإنس والجن دون تدبر أو تفكر أو رد المتشابه إلى المحكم أو رد المجمل إلى المبين .

والسؤال : ما معنى الحكمة ؟

أولاً: الحكمة في اللسان العربي :

الحكمة مصدر من الإحكام ، وهو الإتقان في قول أو فعل،  وأحكم الأمر: أتقنه فاستحكم، ومنعه عن الفساد .

وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه. فقيل للعلم حكمة؛ لأنه يمتنع به من السفه، وبه يعلم الامتناع من السفه الذي هو كلُّ فعلٍ قبيح ...

والحكمة هي وضع الحق في موضعه .

والحكمة هي الإصابة في الأقوال والأفعال، ووضع كل شيء في موضعه .

والحكمة هي إصابة الحق بالعلم والعقل .

والحكمة هي عمل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي بالقدر الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي .

والحكمة هي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويُقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم .

والحكيم : المتقن للأمور، يقال للرجل إذا كان حكيماً: قد أحكمته التجارب .

والحَكَمُ والحكيم هما بمعنى: الحاكم والقاضي، والحكيم .

والحكيم : المانع من الفساد .

والحُكْمُ : هو المنع من الظلم .

والسورة المحكمة، الممنوعة من التغيير وكل التبديل، وأن يلحق بها ما يخرج عنها، ويزداد عليها ما ليس منها.

والحَكَمَةُ: ما أحاط بحنكي الفرَس، سُمِّيت بذلك ، لأنها تمنعها، يقال: حكمت الدابة وأحكمتها، ويقال: حكمت السفيه وأحكمته: إذا أخذت على يديه، والحكمة هذا قياسها؛ لأنها تمنع من الجهل، وتقول: حكمت فلاناً تحكيماً: منعته عما يريد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثانياً : الحكمة عند الإخوة الأثريين :

لقد اختلف الإخوة الأثريون في معنى الحكمة , وهذه أقوالهم :

1 ـ القرآن والفقه به .
2 ـ السنة .
3 ـ النبوة .
4 ـ فصل قضاء النبي .
5 ـ  المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتباع له.
6 ـ شيء يجعله الله في القلب، ينور له به.
7 ـ العقل في الدين , قال الله : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً" . وقال الله : "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" ، وقرأ ابن زيد: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها" . قال: لم ينتفع بالآيات، حيث لم تكن معها حكمة.
8 ـ معرفة الحق والعمل به , أو العلم النافع والعمل الصالح، ولا يسمى الرجل حكيماً إلا إذا جمع بينهما .
9 ـ الخشية للَّه .
10 ـ الورع في دين اللَّه .
11 ـ الإصابة في القول والفعل
12 ـ وضع كل شيء في موضعه .
 13 ـ سرعة الجواب مع الإصابة .

والسؤال : هل الحكمة هي مخالفة وإلغاء ( نسخ ) كتاب الله , أم أن ذلك من السفه والحمق ؟

هل الحكمة ستخالف كتاب الله أم ستوافقه ؟

ليس عند الأثريين أدنى حكمة , فقد خالفوا كتاب ربهم وخالفوا اللسان العربي وخالفوا مذهبهم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ثالثاً : الحكمة في القرآن :

لن نجد آية تصلح فيها الحكمة أن تكون بمعنى الآثار , فالحكمة صفة ملازمة للكتاب وصفة للنبي أو الإنسان الحكيم الذي آتاه الله الحكمة  .

1 ـ قال الله : " فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ " [البقرة : 251]

2 ـ قال الله : " وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " [ص : 20]

فهل المراد بالحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين المنسوبة إلى داود ؟

هل أوتي داود كتاباً آخراً بجانب الزبور اسمه كتاب السنة أو الحكمة , أم أن المراد أن الله آتاه صفة الحكمة فكان حكيماً ؟

وقد يكون المقصود بالحكمة الزبور , لأنها صفة له .

3 ـ قال الله : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ " [آل عمران : 81]

فهل معنى الآية أن الله آتى النبي كتابين القرآن والحكمة ؟

الآية السابقة تبين , هذه الآية , فالله لم يؤت داود كتابين , بل آتاه كتاباً واحداً , فالله آتاه الملك والزبور والحكمة وفصل الخطاب , وهذا لا يعني أنه أوتي أربعة كتب أو كتابان , بل أوتي كتاب واحد وهو الزبور .

كذلك النبي , آتاه الله الكتاب والحكمة , وهذا لا يعني أنه أنزل عليه كتابين , بل هو كتاب واحد , أما الحكمة فهي صفة للنبي وصفة للكتاب , فالنبي حكيم والكتاب حكيم , قال الله : " ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ " [آل عمران : 58] .


4 ـ قال الله : " أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا " [النساء : 54]

فهل آل إبراهيم لهم كتابان , كتاب منزل وكتاب حكمة أو سنة , أم أن كل رسول له كتاب واحد ؟

5 ـ قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ " [لقمان : 12]

فهل المراد بالحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين المنسوبة إلى لقمان ؟

هل معنى الآية أن الله أنزل على لقمان كتاباً اسمه السنة أو الحكمة , أم أن المعنى أن الله جعله حكيماً ؟

6 ـ قال الله : " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " [البقرة : 269]

فهل معنى الحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين ؟

هل من آتاه الله الحكمة آتاه كتاباً اسمه السنة أو الحكمة ؟

الحكمة صفة , وهي ضد السفه أو الحمق , فمن آتاه الله الحكمة يصبح حكيماً وأولى الناس بهذه الصفة هم الأنبياء , أم تريدون ألا يؤتيهم الحكمة ؟ هل تريدون أن ينزل الكتب على الحمقى ؟

7 ـ قال الله : " وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ " [الزخرف : 63]

فهل المراد بالحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين المنسوبة إلى عيسى ؟

أين آثار عيسى ؟ هل معنى الآية أن الله أنزل على عيسى كتاباً اسمه السنة أو الحكمة ؟ أين كتاب الحكمة المنزل على عيسى بجانب كتاب الإنجيل ؟

وهل جاء عيسى بآثار مبينة لمبهمات الإنجيل المزعومة ؟

وهل أمرهم الله إلا باتباع الإنجيل والحكم به ؟

قال الله : " وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " [المائدة : 47]


8 ـ قال الله : " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ " [المائدة : 110]

9 ـ قال الله : " وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ " [آل عمران : 48]

من أخطاء المفسرين أنهم فسروا الحكمة بالسنة , والسؤال : اين سنة عيسى ؟ وهل أمرهم الله إلا باتباع الإنجيل والحكم والقضاء به والعمل بما فيه ؟

وهل يصلح أن يكون المعنى أن الله علم عيسى الإنجيل وسنة عيسى ؟

قال ابن كثير : ( الظاهر أن المراد بالكتاب هاهنا الكتابة . والحكمة تقدم الكلام على تفسيرها في سورة البقرة ) .

وقال القرطبي : قال ابن جريج : الكتاب الكتابة والخط . وقيل : هو كتاب غير التوراة والإنجيل علمه الله عيسى عليه السلام . ورسولا أي ونجعله رسولا . أو يكلمهم رسولا . وقيل : هو معطوف على قوله "وجيها" . وقال الأخفش : وإن شئت جعلت الواو في قوله ورسولا مقحمة والرسول حالا للهاء ، تقديره ويعلمه الكتاب رسولا . وفي حديث أبي ذر الطويل "وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى عليه السلام" ) . تفسير القرطبي ) .

وقال البغوي : ( الكتاب ) أي الكتابة والخط ( والحكمة ) العلم والفقه .

وقال ابن عاشور : ( والكتاب مراد به الكتاب المعهود . وعطف التوراة تمهيد لعطف الإنجيل ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الكتابة وتقدم الكلام على التوراة والإنجيل في أول السورة .  ) . ( التحرير والتنوير ) .

وقال محمد رشيد رضا : والكتاب هنا : الكتابة بالخط ، والحكمة : العلم الصحيح الذي يبعث الإرادة إلى العمل النافع ، ويقف بالعامل على الصراط المستقيم لما فيه من البصيرة وفقه الأحكام وأسرار المسائل .( تفسير المنار ) .

وقال الشوكاني : ( والكتاب الكتابة . والحكمة العلم ، وقيل تهذيب الأخلاق ) . ( فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية ) .

وقال فخر الدين الرازي : في هذه الآية أمور أربعة معطوف بعضها على بعض بواو العطف ، والأقرب عندي أن يقال : المراد من الكتاب تعليم الخط والكتابة ، ثم المراد بالحكمة تعليم العلوم وتهذيب الأخلاق ؛ لأن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته ، والخير لأجل العمل به ، ومجموعهما هو المسمى بالحكمة ، ثم بعد أن صار عالما بالخط والكتابة ، ومحيطا بالعلوم العقلية والشرعية ، يعلمه التوراة ، وإنما أخر تعليم التوراة عن تعليم الخط والحكمة ؛ لأن التوراة كتاب إلهي ، وفيه أسرار عظيمة ، والإنسان ما لم يتعلم العلوم الكثيرة لا يمكنه أن يخوض في البحث على أسرار الكتب الإلهية ، ثم قال في المرتبة الرابعة " والإنجيل " وإنما أخر ذكر الإنجيل عن ذكر التوراة ؛ لأن من تعلم الخط ، ثم تعلم علوم الحق ، ثم أحاط بأسرار الكتاب الذي أنزله الله تعالى على من قبله من الأنبياء فقد عظمت درجته في العلم فإذا أنزل الله تعالى عليه بعد ذلك كتابا آخر وأوقفه على أسراره فذلك هو الغاية القصوى ، والمرتبة العليا في العلم والفهم والإحاطة بالأسرار العقلية والشرعية ، والاطلاع على الحكم العلوية والسفلية ، فهذا ما عندي في ترتيب هذه الألفاظ الأربعة .  ( التفسير الكبير ) .

وقال أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي : الكتاب هنا مصدر ، أي : يعلمه الخط باليد ، قاله ابن عباس ، وابن جريج وجماعة . وقيل : الكتاب هو كتاب غير معلوم ، علمه الله عيسى مع التوراة والإنجيل ، وقيل : كتب الله المنزلة . والألف واللام للجنس . وقيل : هو التوراة والإنجيل . قالوا : وتكون الواو في : والتوراة ، مقحمة ، والكتاب عبارة عن المكتوب ، وتعليمه إياها ، قيل : بالإلهام ، وقيل : بالوحي ، وقيل : بالتوفيق والهداية للتعلم . والحكمة تقدم تفسيرها ، وفسرت هنا بسنن الأنبياء ، وبما شرعه من الدين ، وبالنبوة ، وبالصواب في القول والعمل ، وبالعقل ، وبأنواع العلم ، وبمجموع ما تقدم أقوال سبعة . (التفسير الكبير المسمى البحر المحيط ) .

وقال الألوسي : ( و الكتاب مصدر بمعنى الكتابة أي يعلمه الخط باليد قاله ابن عباس وإليه ذهب ابن جريج، وروي عنه أنه قال: أعطى الله تعالى عيسى عليه السلام تسعة أجزاء من الخط وأعطى سائر الناس جزءا واحدا، وذهب أبو علي الجبائي إلى أن المراد بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام سوى التوراة والإنجيل مثل الزبور وغيره، وذهب كثيرون إلى أن أل فيه للجنس والمراد جنس الكتب الإلهية إلا أن المأثور هو الأول، والقول بأن المراد بالكتاب الجنس لكن في ضمن فردين هما التوراة والإنجيل، وتجعل الواو فيما بعد زائدة مقحمة، وما بعدها بدلا أو عطف بيان من الهذيان بمكان، وقرأ أهل المدينة وعاصم ويعقوب وسهل (ويعلمه) بالياء، والباقون بالنون، قيل: وعلى ذلك لا يحسن بعض تلك الوجوه إلا بتقدير القول أي إن الله يبشرك بعيسى ويقول: نعلمه، أو وجيها ومقولا فيه نعلمه الكتاب. 
والحكمة أي الفقه وعلم الحلال والحرام، قاله ابن عباس، وقيل: جميع ما علمه من أمور الدين، وقيل: سنن الأنبياء عليهم السلام، وقيل: الصواب في القول والعمل، وقيل: إتقان العلوم العقلية، وقد تقدم الكلام على ذلك. 
والتوراة والإنجيل أفردا بالذكر على تقدير أن يراد بالكتاب ما يشملهما لوفور فضلهما وسمو شأوهما على غيرهما، وتعليمه ذلك قيل: بالإلهام، وقيل: بالوحي، وقيل: بالتوفيق والهداية للتعلم، وقد صح أنه عليه السلام لما ترعرع، وفي رواية الضحاك عن ابن عباس لما بلغ سبع سنين أسلمته أمه إلى المعلم، لكن الروايات متضافرة أنه جعل يسأل المعلم كلما ذكر له شيئا عما هو بمعزل عن أن ينبض فيه ببنت شفة، وذلك يؤيد أن علمه محض موهبة إلهية وعطية ربانية، وذكر الإنجيل لكونه كان معلوما عند الأنبياء والعلماء متحققا لديهم أنه سينزل. ( تفسير الألوسي ) .

وقال السعدي : ( ويعلمه الكتاب أي: جنس الكتب السابقة، والحكم بين الناس، ويعطيه النبوة، ويجعله " رسولا إلى بني إسرائيل " ويؤيده بالآيات البينات والأدلة القاهرة حيث قال: أني قد جئتكم بآية من ربكم تدلكم أني رسول الله حقا.  ) . ( تفسير السعدي ) .

وجاء في تفسير الجلالين : الكتاب الخط .

وقال أبو السعود محمد بن محمد العمادي  : ويعلمه الكتاب أي: الكتابة أو جنس الكتب الإلهية. والحكمة أي: العلوم وتهذيب الأخلاق. والتوراة والإنجيل إفرادهما بالذكر على تقدير كون المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة لزيادة فضلهما و إنافتهما على غيرهما . ( تفسير أبي السعود ) .

وقال محمد جمال الدين القاسمي : ويعلمه الكتاب أي : الكتابة أو جنس الكتب الإلهية : والحكمة أي : تهذيب الأخلاق : والتوراة والإنجيل إفرادهما بالذكر على تقدير كون المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة ، لزيادة فضلهما وإنافتهما على غيرهما . ( تفسير القاسمي ) .

وقال ابن الجوزي : وفي الكتاب قولان . أحدهما: أنه كتب النبيين وعلمهم ، قاله ابن عباس . والثاني: الكتابة ، قاله ابن جريج ومقاتل . قال ابن عباس: والحكمة: الفقه ، وقضاء النبيين .  ( زاد المسير ) .

قال محمد أبو زهرة  : ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل في هذه الآية الكريمة يبين الله سبحانه وتعالى علم الرسالة التي أرسله بها، وهو علم بأربعة أمور: علمه بالكتاب، وعلمه بالحكمة، وعلمه بالتوراة، وعلمه بالإنجيل. أما علمه بالكتاب فقد قال بعض مفسري السلف: إنه العلم بالخط والكتابة، وتوجيه ذلك التفسير أن عيسى بعث في أمة اشتهرت بالعلم والمعرفة، فلا بد أن يكون فيه ما هو سبيل العلم والمعرفة وهو الكتابة، وقد كانت آيته في إثبات رسالته فوق علم العلماء، وقدرة الناس قاطبة. وقال بعض مفسري السلف أيضا: إن علم عيسى بالكتاب هو علمه بما نزل على النبيين السابقين. وإنا نختار الأول، فإنه على التفسير الثاني يكون تكرار؛ لأن علم الرسالات السابقة، في التوراة التي ذكر أنها من علمه، والتأسيس أولى من التأكيد. وأما العلم الثاني، وهو الحكمة، فهو العلم الذي يحكم صاحبه في القول والعمل، وسياسة الناس في القول والعمل، ولذا يقول العلماء: إن الحكمة هي العلم النافع؛ فهي العلم الذي تظهر ثمرته في القول والعمل وهداية الناس، وقيادة نفوسهم؛ ولذلك قال الله تعالى آمرا نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وإن هذا النوع من العلم هو ألزم العلوم لمن يقود الناس إلى الإيمان، ويدعوهم بدعاية الرحمن.  وأما العلم الثالث والرابع فهما علم التوراة وعلم الإنجيل، والتوراة تومئ إلى علم الرسالات التي كانت قبلها، وعلم الإنجيل هو العلم برسالته التي بعث بها في وسط تلك المادية التي استولت على بني إسرائيل، وهذا يدل على اتصال رسالته بالرسالات التي سبقته، وكل رسول مبعوث لا تكون رسالته مقطوعة عما قبلها، بل هي موصولة بها متممة لها، وهي لبنة في صرح الرسالات الإلهية وبعد أن أشار سبحانه وتعالى إلى علم الرسالة التي هيأه الله تعالى لها، أشار إلى من أرسل إليهم . ( زهرة التفاسير ) .

قال ابن أبي حاتم الرازي : والوجه الثاني:  [3534] حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا أحمد بن المفضل ، ثنا أسباط ، عن السدي : قوله: والحكمة يعني: النبوة.  والوجه الثالث:  [3535] حدثنا علي بن الحسين ، ثنا أبو همام، أنبأ ابن وهب ، حدثني ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال: " الحكمة " العقل في الدين.  ( تفسير ابن أبي حاتم ) .


10 ـ قال الله : " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [البقرة : 129]

11 ـ قال الله : " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ " [البقرة : 151]

12 ـ قال الله : " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " [آل عمران : 164]

13 ـ قال الله : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " [الجمعة : 2]

فهل المراد بالحكمة كتاب آخر غير القرآن ؟

وهل أمرنا الله إلإ بالحكم بالقرآن ؟

قال الله : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) " ( المائدة ) .

إن النبي يتلو آيات الله تعالى علينا , قال الله : " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " [الأنعام : 151] , وقال الله : " وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " [الكهف : 27] , وقال الله : " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " [العنكبوت : 45] , قال الله : " إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) " ( النمل ) .

أما الكتاب فهو الكتابة أو الخط , أو الصحيفة أو الصحف المجموعة أي الكتاب الذي يحوي هذه الآيات أي القرآن .

وتعليم الكتاب هو تعليم الكتابة والخط أو تعليم القرآن أو تعليم الأحكام والأوامر والنواهي التي في القرآن .

والحكمة هي ما في الآيات من حكمة , قال الله : " لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) " ( الإسراء ) .

والتزكية هي ما في الآيات من تزكية أو الأوامر والنواهي التي بالقرآن والتي تزكي وتطهر النفس , قال الله : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [التوبة : 103] , وقال الله : " فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) " ( الأعلى ) .

وقد يقال ألا يكفي قوله تعالى : " ويعلمهم الكتاب " عن تعليم الحكمة أو التزكية ؟

قلتُ أن من معاني الكتاب هو الكتابة والخط , أما إذا قلنا أن المراد القرآن , فقد يكون من قبيل عطف الخاص على العام , قال الله : " تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ " [القدر : 4] , وقال الله : " مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ " [البقرة : 98]

وقد يكون تعليم الكتاب بمعنى تعليم الأحكام .

سؤال : هل تظن أن معنى تعليم الحكمة هو آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين ؟

أليست آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين فيها اتهام لرب العالمين بإساءة اختيار حفظة الآثار إن كان يريد حفظها كما يزعم الإخوة الأثريون ؟

إننا إذا اشترطنا عدم الجهالة أو الغفلة أو التدليس أو النكارة أو الوضع لم يصح لنا أثر , فكيف تدافعون عن العدم ؟ ألا تتبينون وتتثبتون وتحققون بأنفسكم أم ما زلتم مقلدين وترددون ما لقنوه لكم في الصغر ؟

حاولوا أن تجيبوا على الأسئلة السابقة , وستعلمون الحق وستتبينون من بطلان مذهبكم .

14 ـ قال الله : " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " [البقرة : 231]

فهل المراد بالحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين المنسوبة إلى النبي ؟

هل ترى الحكمة منفصلة عن الكتاب ؟ هل الكتاب والحكمة مختلفان ؟ كيف يكونا اثنين والله يقول "يَعِظُكُمْ بِهِ" ؟

إذاً هو واحد وليس اثنين , فالحكمة هنا صفة للكتاب .

وقد يكون المراد أنها صفة للمؤمنين .

15 ـ قال الله : " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا " [النساء : 113]

والآية السابقة تبين هذه الآية , وأقول أيضاً :

هل الحكمة لها كتاب ؟ هل تعليم الله للنبي له كتاب ؟

هل هم ثلاثة كتب كتاب القرآن وكتاب الحكمة وكتاب تعليم الله للنبي ؟

لا , بل الحكمة من الكتاب , وهي صفة له , كما أنها صفة للنبي .

فالله أنزل الكتاب الحكيم , وأنزل آيات بها حكمة , وآتى النبي الحكمة فجعله حكيماً .

والحكمة هي صفة للكتاب وللنبي , ولم يأمر الله الناس إلا باتباع الكتاب المنزل .

وهل كل ما أنزله الله يكون كتاباً ؟

قال الله : " ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " [آل عمران : 154]

فهل يوجد كتاب اسمه كتاب الأمنة ؟

قال الله : " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ " [النحل : 53]

فهل معنى إنزال النعم هو إنزال كتب بهذه النعم ؟

16 ـ قال الله : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " [النحل : 125]

فهل المراد بالحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين المنسوبة إلى النبي ؟

17 ـ قال الله : " ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا " [الإسراء : 39]

فهل معنى الحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين المنسوبة إلى النبي , أم أن المراد بها الحكمة المبينة في القرآن ؟

إن الحكمة هنا آيات القرآن , وما فيها من حكمة .

18 ـ قال الله : " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " [الأحزاب : 34]

فهل المراد بالحكمة آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين المنسوبة إلى النبي ؟

وهل الآثار تتلى ؟ هل كان النبي يتلو الآثار في بيوت أزواجه ؟

فلماذا إذاً تقولون أن القرآن هو المتلو , وأن الآثار غير متلوة ؟

إن الإخوة الأثريين يقولون أن القرآن متلو وأن الآثار غير متلوة , فما بالهم فسروا الحكمة المتلوة هنا بالآثار ؟ ما هذا التناقض ؟

إن القرآن هو ما يتلى في بيوت زوجات النبي , والقرآن عبارة عن آيات بها أحكام وقصص ومبشرات ومنذرات وحكم , فما بال الفرق الأثرية فرقت الواحد وجعلته اثنين ؟

ولو فرضنا أن المعنى هو حكمة في غير القرآن , فالآية خاصة بزوجات النبي , ويا أيتها الأثريات هل تلا النبي في بيوتكن حكمة ؟ هل الكلام لكن ؟ هل ستذكرن ما تلا التبي في بيوتكن من حكمة ؟

إن الآثار التي عندكن هي آثار لمجاهيل ومغفلين ومدلسين ووضاعين وأغلبها مخالف للقرآن , فهل جعلتموها حكمة ؟


19 ـ قال الله : " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) " . ( القمر ) .

قال القرطبي : حكمة بالغة يعني القرآن وهو بدل من " ما " من قوله : ما فيه مزدجر ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ; أي هو حكمة . ( تفسير القرطبي ) .

قال الطبري : وقوله "حكمة بالغة" يعني بالحكمة البالغة : هذا القرآن ، ورفعت الحكمة ردا على"ما" التي في قوله" ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر" . وتأويل الكلام : ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدجر ، حكمة بالغة . ولو رفعت الحكمة على الاستئناف كان جائزا ، فيكون معنى الكلام حينئذ : ولقد جاءهم من الأنباء النبأ الذي فيه مزدجر ، ذلك حكمة بالغة ، أو هو حكمة بالغة فتكون الحكمة كالتفسير لها .  ( تفسير الطبري ) .

20 ـ قال الله : " ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ " [آل عمران : 58]

21 ـ قال الله : " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ " [يونس : 1]

22 ـ قال الله : " تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ " [لقمان : 2]

23 ـ قال الله : " وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ " [يس : 2]

فالقرآن حكيم .

24 ـ قال الله : " وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ " [محمد : 20]

25 ـ قال الله : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " [آل عمران : 7]

26 ـ قال الله : " الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " [هود : 1]

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابعاً : أسباب ضلال الإخوة الأثريين في معنى الحكمة :

توجد عدة أسباب لضلال الإخوة الأثريين في معنى الحكمة , وهي :

1 ـ اتباعهم لشياطين الإنس والجن :

لقد تلقى الأثريون أقوالاً لشيوخهم تزعم أن الحكمة هي الآثار , فأخذ الأثريون يرددون تلك الأقوال حتى صارت من أصول الدين عندهم .

قال الحسن وقتادة : الكتاب : هو القرآن ، و الحكمة هي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. انظر: الفقيه و المتفقه 1/88 بتصرف.

وقال الطبري – رحمه الله - : " ويعلمهم الكتاب والحكمة " يعني : ويعلمهم كتاب الله الذي أنزل عليه ، ويبين لهم تأويله و معانيه " الحكمة " ويعني بالحكمة : السنة التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيانه لهم. تفسير الطبري 4/163

وقال الشافعي - رحمه الله -: " ذكر الله الكتاب ، وهو القرآن ، وذكر الحكمة؛ فسمعتُ من أرضىَ من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة : سنة رسول الله ، وهذا يشبه ما قال والله أعلم ، لأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة ، وذكرَ اللهُ مَنّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ، فلم يجز – والله أعلم – أن يقال الحكمة ههنا إلا سنة رسول الله ، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع أمره ، فلا يجوز أن يقال لقولٍ فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله ، لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به ، وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد : دليلاً على خاصه وعامه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه ،ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله " . الرسالة ص 79،78

تنبيه :

الحسن البصري مدلس , وكان يأخذ عن كل ضرب , وكان يتأول التصريح بالسماع .

قتادة بن دعامة السدوسي ( قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة , أبو الخطاب , الأكمه ، الأطرش ) , وهو مشهور بالتدليس , وقال سليمان بن طرخان التيمي في سعيد بن أبي عروبة العدوي : ( لا والله ما كنت أجيز شهادته لا والله ولا شهادة معلمه قتادة ) .

وأما الطبري فهو متهم .

وأما الشافعي فهو مغفل كثير النسيان , وأما قول الشافعي : (فسمعتُ من أرضىَ من أهل العلم بالقرآن ) , فهذه جهالة .

والسؤال :

هل يؤخذ العلم من مدلس غشاش أو متهم أو مغفل أو مجهول ؟

كيف تلقيتم هذا التحريف دون تبين أو تثبت أو تحقيق أو رجوع إلى كتاب الله ورد الحكم إلى الله ؟


2 ـ عدم التدبر أو التفكر :

فلو رجع الإخوة الأثريون إلى أنفسهم ودوا المتشابه إلى المحكم وردوا المجمل إلى المبين , لعلموا ما المراد بالحكمة .

ولو سألوا أنفسهم إن كانت الحكمة تعني الآثار فأين كتاب الحكمة المزعوم والذي يحتوي على كل أقوال وأفعال النبي والذي كله صحيح لا شك فيه ؟

وهل أخذ الله عهداً على نفسه بجمع وحفظ الآثار ؟

وهل الآثار المنسوبة إلى النبي حكيمة أصلاً ؟

بل الكثير جداً منها مخالف للقرآن والفطرة والعقل والحكمة .

وهل إذا أراد الله جمع شيء أو حفظه اختار هؤلاء المجاهيل والمغفلين والمدسين والوضاعين ؟

أليس في هذا اتهام لرب العالمين بسوء اختيار حفظة الآثار إن كان يريد أن يحفظها كما يزعم الإخوة الأثريون ؟

3 ـ ظن الأثريون أن عطف الحكمة على الكتاب يقتضي أنهما كتابان , كتاب القرآن وكتاب الحكمة :

والسؤال : أين كتاب الحكمة ؟ هل آلاف كتب الآثار هي كتاب الحكمة ؟ هل يوجد عندكم كتاب كله صحيح ؟ هل هذه الآثار فيها حكمة أصلاً ؟ إنها تخالف القرآن وتلغيه فكيف تزعمون أنها حكمة ؟

والسؤال : هل عطف كلمة على أخرى يقتضي الاختلاف بينهما أو أنهما كتابان ؟

قال الله : " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ " [الحجر : 1]

فهل الكتاب مختلف عن القرآن ؟ هل هما اثنان ؟

قال الله : " وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " [البقرة : 53]

فهل الكتاب مختلف عن الفرقان ؟

هل أوتي موسى كتابان ؟

لا , بل إن الفرقان من الكتاب وهي صفة للكتاب وصفة لموسى .

قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ " [الأنبياء : 48]

فهل أوتي موسى ثلاثة كتب , الفرقان والضياء والذكر ؟

قال الله : " تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " [الفرقان : 1]

الفرقان هو الكتاب وهو صفة للنبي .

قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " [الأنفال : 29]

فهل الفرقان كتاب سينزله الله على كل تقي , أم أنه صفة ؟

قال الله : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [البقرة : 185]

فالفرقان من الكتاب .

قال الله : " نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) " ( آل عمران ) .

فهل الفرقان كتاب مختلف عن الكتب المذكورة , أم أنه صفة للكتب وصفة للأنبياء والمتقين ؟

قال الله : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ " [البقرة : 159]

فهل البينات والهدى كتابان أم من كتاب واحد ؟

قال الله : " اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ " [الشورى : 17]

قال الله : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " [الحديد : 25]

فهل يوجد كتاب اسمه كتاب الميزان أم أن الميزان هو من الكتاب ؟

قال ابن كثير : " وأنزلنا معهم الكتاب" وهو : النقل المصدق " والميزان " وهو : العدل . قاله مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما . وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة ، كما قال: "أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه" )  هود : 17 ] ، وقال : " فطرة الله التي فطر الناس عليها" ) الروم : 30 ) ، وقال  :"والسماء رفعها ووضع الميزان" ) الرحمن : 7 ) ; ولهذا قال في هذه الآية "ليقوم الناس بالقسط" أي : بالحق والعدل وهو : اتباع الرسل فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا به ، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق ، كما قال " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" ) الأنعام : 115 ) أي : صدقا في الإخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي . ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوءوا غرف الجنات ، والمنازل العاليات ، والسرر المصفوفات " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق" . ) الأعراف : 43 ) . ( تفسير ابن كثير ) .

قال القرطبي : "وأنزلنا معهم الكتاب" أي : الكتب ، أي : أوحينا إليهم خبر ما كان قبلهم والميزان قال ابن زيد : هو ما يوزن به ويتعامل ليقوم الناس بالقسط أي : بالعدل في معاملاتهم . وقوله : بالقسط يدل على أنه أراد الميزان المعروف وقال قوم : أراد به العدل . قال القشيري : وإذا حملناه على الميزان المعروف ، فالمعنى أنزلنا الكتاب ووضعنا الميزان فهو من باب : علفتها تبنا وماء باردا . ويدل على هذا قوله تعالى : والسماء رفعها ووضع الميزان ثم قال وأقيموا الوزن بالقسط وقد مضى القول فيه . ( تفسير القرطبي ) .

قال الطبري : يقول - تعالى ذكره - : لقد أرسلنا رسلنا بالمفصلات من البيان والدلائل ، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع والميزان بالعدل . كما حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة  "الكتاب والميزان" قال : الميزان : العدل . حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله  : "وأنزلنا معهم الكتاب والميزان" بالحق قال : الميزان : ما يعمل الناس ، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويعطون ، يأخذون بميزان ، ويعطون بميزان . يعرف ما يأخذ وما يعطي . قال : والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون ، فالكتاب للآخرة ، والميزان للدنيا . وقوله  : "ليقوم الناس بالقسط" يقول - تعالى ذكره - : ليعمل الناس بينهم بالعدل .  ( تفسير الطبري ) .

قال السعدي : وأنزلنا معهم الكتاب وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، والميزان وهو العدل في الأقوال والأفعال، والدين الذي جاءت به الرسل، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق، وفي الجنايات والقصاص والحدود والمواريث وغير ذلك ، وذلك ليقوم الناس بالقسط قياما بدين الله، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها، وهذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع، وهو القيام بالقسط، وإن اختلفت صور العدل، بحسب الأزمنة والأحوال . ( تفسير السعدي ) .

قال الله : " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ " [آل عمران : 184]

قال الله : " وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ " [فاطر : 25]

فهل كل رسول أتى بثلاثة كتب : كتاب البينات وكتاب الزبر والكتاب المنير ؟

قال الله : " الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " [غافر : 70]

فهل الكتاب مختلف عما أرسل به الرسل ؟ هل كل رسول له كتابان أو عدة كتب ؟

قال الله : " المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ " [الرعد : 1]

هل آيات الله مختلفة عما أنزل ؟

قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " [القصص : 43]

أليست البصائر والهدى والرحمة صفات للكتاب نفسه ؟

قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ " [غافر : 53]

فهل أوتي موسى كتاب اسمه الهدى بخلاف الكتاب المنزل وهو التوراة ؟

قال الله : " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [الشورى : 52]

فهل الكتاب مختلف عن الإيمان أم أن الإيمان مبين في الكتاب ؟

وهل أنزل الله على النبي كتاباً اسمه كتاب الروح ؟

قال الله : " مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ " [آل عمران : 79]

قال الله : " أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ " [الأنعام : 89]

قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " [الجاثية : 16]

فهل لهؤلاء الأنبياء ثلاثة كتب : كتاب منزل وكتاب الحكم وكتاب النبوة ؟

قال الله : " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " [العنكبوت : 27]

قال الله : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ " [الحديد : 26]

فهل في ذرية نوح وإبراهيم كتابان , كتاب النبوة وكتاب منزل ؟

قال الله : "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" [الحجر : 87] .

فهل أنزل الله على النبي كتابين ,  كتاب السبع المثاني , وكتاب القرآن العظيم ؟

بل إن المثاني صة للقرآن .

قال الله :" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" [الزمر : 23] .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خامساً : هل أمرنا الله باتباع الكتاب المنزل واتباع الآثار , أم أمرنا باتباع الكتاب المنزل فقط ؟

بل أمرنا باتباع الكتاب المنزل فقط والتمسك به والحكم والقضاء والعمل بما فيه .

قال الله : " قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) " ( الأنعام ) .

قال الله : " المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) " ( الأعراف ) .

قال الله : " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) " ( يونس ) .

قال الله : " وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ " [الأعراف : 170]

قال الله : " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) " ( المائدة ) .

قال الله : " وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ " [المائدة : 66]

قال الله : " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ " [الرعد : 37]

سادساً : هل أمرنا الله بالإيمان بالكتاب المنزل والإيمان بالآثار , أم أمرنا بالإيمان بالكتاب المنزل فقط ؟

لا , بل أمرنا بالإيمان بالكتاب المنزل فقط .

قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " [النساء : 136]

قال الله : " أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف : 185]

قال الله : " وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) " . ( الإسراء ) .

قال الله : " تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ " [الجاثية : 6]

قال الله : " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) " ( المرسلات ) .

والسؤال : أين كتاب الحكمة المزعوم ؟ لماذا لم يأمرنا الله بالإيمان به ؟

لم يذكر الله إلا الكتاب , فهل هذا سهو أو نسيان أو نقصان ؟

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ , قال الله : " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " [مريم : 64] , وقال الله : " قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) " ( طه ) .


سابعاً : هل أمرنا الله بأخذ الكتاب المنزل والآثار , أم أمرنا بأخذ الكتاب المنزل فقط ؟

قال الله : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا " [مريم : 12]

أين الآثار ؟

قال ابن عاشور : ( وآتيناه الحكم . والحكم : اسم للحكمة . وقد تقدم معناها في قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا في سورة البقرة . والمراد بها النبوءة ، كما تقدم في قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما في سورة يوسف ، فيكون هذا خصوصية ليحيى أن أوتي النبوءة في حال صباه . وقيل : الحكم هو الحكمة والفهم .  ( التحرير والتنوير ) .

قال الطبري : (وقوله "وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" يقول تعالى ذكره: وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال ) .

قال الله : " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [البقرة : 63]

قال الله : " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [البقرة : 93]

قال الله : " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [الأعراف : 171]

ثامناً : ما هو الكتاب الموصوف بالبشرى والإنذار والهدى والرحمة ؟ وهل أمرنا الله بالتبشير والإنذار بالقرآن والآثار , أم بالقرآن فقط ؟

قال الله : " قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " [البقرة : 97]

قال الله : " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " [النحل : 89]

قال الله : " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " [النحل : 102]

قال الله : " طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) " ( النمل ) .

قال الله : " وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ " [الأحقاف : 12]

قال الله : " وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) " . ( الأنعام ) .

تاسعاً : هل أمرنا الله بجهاد الكافرين بالقرآن والآثار , أم بالقرآن فقط ؟

قال الله : " وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) " ( الفرقان ) .

عاشراً : ما هو الكتاب الموصوف بالفرقان والضياء ؟ هل هو الآثار أم الكناب المنزل ؟

قال الله : " وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة : 53]

قال الله : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة : 185]

قال الله : " مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [آل عمران : 4]

قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء : 48]

قال الله : " تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان : 1]

الحادي عشر : وحتى لا أطيل أكثر من ذلك , ما هو الكتاب الكافي الكامل التام المبين والمفصل في نفسه والتبيان والتفصيل لكل أمور الدين والناسخ لما سواه ؟

هل يحتاج الكتاب الكافي الكامل التام إلى كتاب آخر ليكمل نقصانه ؟

هل يحتاج الكتاب المبين والمفصل في نفسه إلى كتاب آخر يفسر مبهماته المزعومة ؟ وأين هذه المبهمات ؟ ولماذا لا يرد الجاهل المتشابه إلى المحكم , والمجمل إلى المبين ؟

هل يحتاج الكتاب التبيان والتفصيل لكل أمور الدين إلى كتاب آخر يبين ويفصل أمور الدين ؟

هل يحتاج الكتاب الناسخ لما سواه إلى ناسخ ينسخه ؟

هل من الحكمة مخالفة الكتاب الحكيم أو إلغاء آياته أو نسخها أو ادعاء نقصانها وإبهامها ؟

هل من الحكمة مخالفة الحكمة البالغة ؟

إن كل الفرق الضالة أثرية , وما ضلت إلا بسبب وساوس شياطين الإنس والجن ممثلة في آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والخلاصة :

الحكمة هي عمل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي بالقدر الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي .

الحكمة لها عدة معان , ولكن لم تأت في القرآن بمعنى آثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين .

الحكمة في القرآن هي القرآن وهي آيات من القرآن وهي صفة للقرآن , كما أنها صفة لبعض الناس خاصة الأنبياء .

لا يوجد كتاب منزل مستقل آخر على الأنبياء اسمه كتاب الحكمة أو كتاب السنة , بل هو كتاب واحد .

فكلمة الحكمة مثل الفرقان والضياء والذكر والمثاني , فهي صفات للكتاب المنزل .

هل معنى أن الله آتى عبداً الحكمة أنه أنزل عليه كتاباً اسمه الحكمة أو السنة ؟

لا , وإلا كنا نرى كتباً منزلة على الحكماء .

قال الله : " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " [البقرة : 269]

هل معنى أن الله آتى النبي الحكمة أنه أنزل عليه كتاباً آخر غير القرآن ؟

لا , فالحكمة صفة للقرآن وصفة للنبي .

هل معنى أن الله جعل لعبد فرقاناً أنه أنزل عليه كتاباً اسمه الفرقان ؟

لا , وإلا كنا نرى كتباً منزلة على المتقين .

قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " [الأنفال : 29]

هل معنى أن الله أنزل على موسى وعلى النبي الفرقان أنه كتاب آخر غير التوراة والقرآن , أم أنه صفة للكتاب ؟

إن الفرقان من الكتاب , وهو صفة للكتاب , كما أنه صفة لبعض الناس , والفرقان يجعل الإنسان يفرق بين الحق والباطل .

قال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ " [الأنبياء : 48]

ولا يوجد كتاب منزل مستقل على الأنبياء اسمه كتاب الفرقان , بل هو كتاب واحد .

هل معنى أن الله أنزل الميزان أنه يوجد كتاب آخر غير القرآن اسمه كتاب الميزان ؟

لا فالميزان من الكتاب , وهو صفة للكتاب , والميزان هو العدل والحق .

ولا يوجد كتاب منزل مستقل على الأنبياء اسمه كتاب الميزان , بل هو كتاب واحد .

لم يأمر الله الأنبياء وأتباعهم إلا باتباع كتاب واحد والحكم والقضاء به والعمل بما فيه , وهو الكتاب المنزل عليهم , وليس وساوس شياطين الإنس والجن أو وسلوس الأحبار والرهبان وآثار المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين .

من اعترض فليخرج لي كتاب الحكمة وقد شمل كل الحكم التي قالها وعملها النبي , ولا بد أن يكون كله صحيحاً .

وليسأل نفسه قبل المحاولة الفاشلة هل أخذ الله عهداً على نفسه بجمع أو حفظ الآثار ؟

وهل كانت حكمة النبي وسنته مخالفة الكتاب الحكيم وإلغاؤه ( نسخة ) ؟

هل الحكمة مخالفة الحكمة وإلغاؤها ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين