الأحد، 10 مايو 2015

أقسام الآثار المنسوبة إلى الأنبياء باعتبار قائلها أو فاعلها

بطلان حجية الآثار

أقسام الآثار المنسوبة إلى الأنبياء باعتبار قائلها أو فاعلها

كتب : محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني , تبيين الحق ) :

بتدبري للآثار باعتبار قائلها أو فاعلها وجدت أنها على قسمين :

القسم الأول : الآثار صحيحة النسبة إلى النبي , , وهذه تنقسم إلى الأقسام التالية : 1 ـ وحي , 2 ـ جبلة , 3 ـ عادة , 4 ـ اجتهاد , 5 ـ شورى , 6 ـ وسوسة  .

القسم الثاني : الآثار باطلة النسبة إلى النبي .
       
وأفصل فيما يلي :

القسم الأول : الآثار صحيحة النسبة إلى النبي , أي الآثار التي قالها النبي أو عملها , وهي تنقسم إلى الأقسام التالية :

1 ـ الوحي , وحينئذ ستكون موافقة للقرآن وليست مخالفة له أو لاغية ( ناسخة) أو مكملة لنقصانه المزعوم ( مستقلة ) أو مفسرة لإبهامه المزعوم .

وأقصد بالآثار الموافقة الآثار الموافقة والمطابقة تماماً لما في القرآن .

ولا يعني ذلك موافقة الحكم الذي بالأثر لأحكام القرآن فقط , بل يجب أن يكون الأثر موافقاً ومطابقاً لما في القرآن في كل كلمة منه , كأن تكون القصة مبينة في القرآن ويأتي الأثر موافقاً ومطابقاً للمعنى بدون زيادة .

وأنا لا أعلم مثالاً بين يدي الآن على الآثار الموافقة لذا سأفترض المثال التالي .

عن محمد الأنور أن بعض الناس أتوا إلى النبي ليحملهم إلى الجهاد فقال لهم : " لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " فَتَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ .

فهذا الأثر الذي رويته أنا بغض النظر عن انقطاع سنده , فإن متنه صحيح , فهو موافق للقرآن .

قال الله : " لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) " ( التوبة ) .

والسؤال : أليس القرآن غنياً عن الآثار الموافقة ؟

نعم , هو غني عنها , لذا لا حاجة لنا في الآثار الموافقة .

هل توجد أمثلة على الآثار الموافقة ؟ أو هل توجد أصلاً آثار موافقة ؟

أنا لا أعلم أثراً موافقاً .

إذا افترضنا وجود آثار موافقة فهل تصح أسانيدها ؟

إذا التزمنا بشروطي في قبول السند فلن يصح عندنا أي سند , لأن رواة الآثار مجاهيل ومغفلون ومدلسون ووضاعون فضلاً عن انقطاع السند أو الشك في الاتصال , والدين لا يؤخذ بالشك بل يجب أن يكون يقينياً .

والخلاصة :

1 ـ إن وجدت الآثار الموافقة فيجب الإيمان بها لأنها توافق القرآن , وليس لصحة أسانيدها إذ لا يصح سند للآثار فضلاً عن أن الرواة والنساخ غير معصومين .

2 ـ لا توجد بالآثار الموافقة مشكلة من حيث المتن , ولكن مشكلتها من جهة السند .

3 ـ هذه الآثار وحي وهي من سنة النبي وحكمته فسنة النبي وحكمته هي أقواله وأفعاله الموافقة للقرآن .

4 ـ سنة النبي وحكمته مبينة في القرآن المبين التبيان المفصل الحكيم الكافي الكامل التام .

5 ـ القرآن غني عن الآثار الموافقة .

تنبيه قد وقع الخلاف في الأحكام الشرعية في الآثار هل هي وحي أم لا ؟

قال محمد رشيد رضا في تفسيره : ( وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْوَارِدَةَ فِي السُّنَّةِ مُوحًى بِهَا ، وَأَنَّ الْوَحْيَ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي الْقُرْآنِ ).  انتهى .

وأنا أؤمن فقط بالآثار الموافقة لموافقتها القرآن , ولا أؤمن بأي أثر مخالف أو ناسخ أو مكمل أو مفسر .

والآثار سواء كانت موافقة أو مخالفة أو لاغية أو ناسخة أو مكملة أو مفسرة ليس لها أسانيد صحيحة , وأنا ما حققت أثراً إلا وكان باطلاً .

أما الآثار المخالفة واللاغية والناسخة والمكملة والمفسرة فبجانب بطلان أسانيدها , فهي منكرة المتن وتصنع شبهات وشكوكاً حول الإسلام ويستخدمها البعض ضده .

والفرق الضالة تسمي الآثار الموافقة بالآثار المؤكدة أو المقررة , وهذا تجرؤ وخطأ عظيم , لأن القرآن لا يحتاج إلى ما يقرره أو يؤكده , والصواب أن نسميها بالآثار الموافقة للقرآن .

كما أن الآثار الموافقة أو المؤكدة عند الفرق الضالة تشمل الآثار الموافقة والمحايدة , وهذا خطأ .

وأقصد بالآثار المحايدة تلك الآثار التي لا توافق القرآن وفي نفس الوقت لا تعارضه , فهي لا تعارض أحكامه , ولكنها لم تذكر في القرآن , لذا لا نعلم هل حدثت أم لا ؟

وأنا لا أقطع بثبوت الآثار المحايدة لأني لا أتيقن من وقوعها لأن الله تعالى حفظ القرآن فقط , فالقرآن قطعي الثبوت , بينما الآثار المحايدة حتى لو فترضنا صحة سندها وهذا مستحيل فهي ظنية الثبوت , ولا يجوز الإيمان إلا باليقين , انظر رسالتي : ما هو الذكر ؟

أنا أؤمن بأن النبي كان متبعاً للقرآن حاكماً وقاضياً به عاملاً بما فيه , ولم يأت مخالفاً أو لاغياً أو ناسخاً له أو مكملاً لنواقصه المزعومة أو مفسراً لمبهماته المزعومة , لذا أؤمن بالآثار الموافقة وأتوقف في الآثار المحايدة وأنكر الآثار المخالفة واللاغية والناسخة والمكملة والمفسرة .

وسنفترض أنه قد روي أثر في أن النبي أمر بجلد زانية وزان , وسنفترض صحة السند ـ رغم أنه فرض مستحيل ـ , فهل معنى ذلك أنه يجب علينا الإيمان بوقوع هذه الحادثة ؟

لا , فالحكم صواب موافق لأحكام القرآن , ولكن الحادثة لم تذكر في القرآن , لذا لا نعلم هل حدثت حقاً أم لا , ومن ثم فهي من الآثار المحايدة التي يجب التوقف فيها .

والقرآن فقط هو المحفوظ , فلعل أحد الرواة في الأثر المحايد أخطأ في اسم أحد الرواة أو في المتن , والرواة ليسوا بمعصومين فكل راو له أخطاء .

وقد تحتوي الآثار المحايدة على أشياء موافقة وأشياء محايدة , فيجب الإيمان بالموافق , ويجب التوقف في المحايد الزائد الذي لم يذكر في القرآن .

مثال : الرواية الأولى صحيح البخاري : (6351)- [6823] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أَوْ قَالَ حَدَّكَ " .

 

الرواية الثانية : صحيح مسلم : (4971)- [2767] حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَعَادَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ انْصَرَفَ، وَاتَّبَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُلِ، فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ، فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ "، قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟ "، فَقَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ أَوَ قَالَ ذَنْبَكَ " .

 

الرواية الثالثة : صحيح مسلم : (4970)- [2766] حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: هَلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " قَدْ غُفِرَ لَكَ " .


وهذا الأثر محايد في بعض الأجزاء وموافق في بعضها .

فالقصة لم تذكر في القرآن , لذا نحن لا نعلم هل حدثت حقاً أم لا ؟ لذا فالقصة أثر محايد .

ولكن الأثر السابق قد وافق آيات الله في حكم التائب وسقوط الحد بالتوبة قبل القدرة عليه , ووجوب الستر على الناس وعدم فضحهم , وعدم المجاهرة بالمعصية , لذا فالحكم في الأثر السابق موافق لأحكام القرآن .

قال تعالى : " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) " ( المائدة ) .

قال تعالى : " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) " ( المائدة ) .

قال تعالى : " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) " ( الفرقان ) .

قال تعالى : " سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) " . ( النور ) .

ومن المعلوم أن الزاني إذا تاب لم يكن زانياً , كما أن المشرك إذا أسلم لا يسمى مشركاً .

كما أن من تاب من القذف وبين الحق قبل القدرة عليه فليس عليه حد .

قال تعالى : " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) " ( النساء ) .

قال تعالى : " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء : 110]

قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا " [النساء : 64]

قال تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " [هود : 114] .

قال تعالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الزمر : 53]

ولكن الأثر السابق لم يوافق ولم يعارض القرآن في القصة نفسها , فقد تكون صدقاً وقد تكون كذباً .

لذا وجب التوقف في هذا القسم من الآثار فلا يجوز إثبات القصة أو نفيها , ولا يجوز تصديقها أو تكذيبها .

والسؤال الأول : برغم بطلان حجية الآثار وأن الرواة مجروحون وغير معصومين فهل تصح أسانيد الآثار المحايدة ؟

إذا التزمنا بشروطي في قبول السند فلن يصح عندنا أي سند , لأن رواة الآثار مجاهيل ومغفلون ومدلسون ووضاعون فضلاً عن انقطاع السند أو الشك في الاتصال .

والسؤال الثاني : هل كتاب الله كاف ؟

نعم , هو كاف كامل تام .

والخلاصة :

1 ـ يجب التوقف في الآثار المحايدة , فلا يجوز الإيمان بها ولا يجوز إنكارها .

فلا يجوز لأحد أن يقول أنها سنة أو حكمة , ومن قال ذلك فهو يفتري على الله ويكذب على النبي , لذا أرى أن من يزعم أن الآثار المحايدة هي وحي أو سنة أو حكمة إما جاهل أو غافل أو أحمق أو مجنون أو مؤول أو منافق أو كافر .

2 ـ لا تصح أسانيد الآثار المحايدة .

3 ـ القرآن كاف وهو غني عن الآثار المحايدة .

والخلاصة : كل الآثار الموافقة للقرآن يجب الإيمان بها , أما الآثار المحايدة فيجب التوقف فيها فلعل الحادثة لم تحدث أصلاً , أي لا يجوز القطع بوقوعها كما لا يجوز نفيها أو إنكارها .


2 ـ وإما أن تكون جبلية :

قال الله : " وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) " ( الشعراء ) .

قال الله : " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ " [القصص : 34]

قال الله : " وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) " ( الزخرف ) .

فهل يجرؤ عاقل على القول بأن عدم انطلاق لسان موسى هو سنة أو حكمة أو وحي ؟

3 ـ وإما أن تكون من العادات :

كاللباس واللحية .

قال الله : " قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي " [طه : 94]

والله تعالى لم يأمر باللحية , لذا فهي من العادات وليست من العبادات .

4 ـ وإما أن تكون اجتهادات , فقد تصيب وقد تخطئ , فالأتبياء بشر والبشر غير معصومين  :

قال الله : " وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) " ( الأنبياء ) .

فهنا اجتهد داوود ولكنه لم يفهم أو لم يصب .

قال الله : " وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) " ( ص ) .

وهنا اجتهد داوود فأخطأ في الحكم .

قال الله : " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) " ( الأنبياء ) .

قال الله : " وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) " ( الصافات ) .

وهنا أخطأ يونس .

قال الله : " لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) " ( التوبة ) .

قال الله : " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) " ( الفتح ) .

قال تعالى : " عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) " ( عبس ) .

وتقول الفرق الضالة بأن الذي عبس في وجه الأعمى هو النبي , ويستدلون بأثر باطل السند فهو من رواية هشام بن عروة وهو مدلس , ومن رواية أحمد بن بشير القرشي الهمداني وهو ضعيف وقيل متروك , ولكن في استدلالهم بهذا الأثر حجة عليهم بأن اجتهاد النبي غير محفوظ , مثله مثل بقية الأنبياء .

كما تستدل الفرق الضالة بأثر تلقيح ( تأبير ) النخل , وهو أثر مكذوب , باطل السند منكر ومضطرب المتن , ولكن في استدلالهم بهذا الأثر حجة عليهم بأن اجتهاد النبي غير معصوم , مثله مثل بقية الأنبياء .

والسؤال :

هل يجرؤ أثري أن يزعم بحجية اجتهادات الأنبياء ؟

هل يزعم أثري أن اجتهادات الأنبياء وحي ؟


5 ـ وإما أن تكون عن شورى , فقد تصيب وقد تخطئ , لأن الصحابة غير معصومين .

قال تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [آل عمران : 159]

والفرق الضالة تقر بأن الشورى ليست معصومة ولم يحفظها الله تعالى , حيث تستدل الفرق الضالة بآثار مكذوبة هي حجة عليهم .

مثل : أثر أسرى بدر وأن النبي أخذ برأي عمر , وهذا أثر مكذوب مخالف للآيات نفسها , فهو باطل السند منكر المتن , ولكن في استدلالهم بهذا الأثر حجة عليهم بأن الشورى غير محفوظة .

كما تستدل الفرق الضالة بأن النبي قد أخذ برأي من قال بالخروج إلى العدو في غزوة أحد , وهو أثر مرسل ضعيف , ولكن في استدلالهم بهذا الأثر حجة عليهم بأن الشورى غير محفوظة .


6 ـ وإما أن تكون من وساوس شياطين الإنس والجن :

قال الله : " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ " [الأعراف : 20]
قال الله : " فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى " [طه : 120]
قال الله : " وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) " ( القصص ) .

قال الله : " وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) " ( الشعراء ) .
فهذا ذنب موسى , فهل يجرؤ أثري على القول بأن قتل موسى للرجل كان وحياً ؟
قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [الحج : 52]
فالقرآن فقط هو الذي أحكم الله آياته , ولم يذكر ذلك في الآثار .

قال تعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " [الأنعام : 112]

لذلك أمرنا الله بالاستعاذة من الشيطان قبل القراءة , قال تعالى : " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " [النحل : 98]

كما أمرنا بالاستعاذة من شياطين الإنس والجن , قال الله : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) " ( سورة الناس ) .

ولقد أمر الله أنبياءه باتباع الكتاب المنزل وعدم اتباع شياطين الإنس والجن

قال الله : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " [البقرة : 120]

قال الله : " وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ " [البقرة : 145]

قال الله : " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ " [الرعد : 37]


القسم الثاني : الآثار باطلة النسبة إلى النبي :

أكاذيب وتحريفات المجاهيل والمغفلين والمدلسين والوضاعين , وما أكثر ذلك .

وما أكثر تلك الآثار في كتب الآثار , ولا يجرؤ أحد على إنكارها , فهي مشحونة في كتب الآثار حتى صارت مليئة بها , ولا يستطيع أحد معرفة الصحيح من الباطل , اعتماداً على السند , لأن رواة الآثار مجاهيل ومغفلون ومدلسون ووضاعون .

والخلاصة :

إن الآثار ليست كلها وحياً منزلاً من الله تعالى , ولا يجرؤ أحد على القول بأن الآثار كلها وحي من عند الله , لأن منها ما هو اجتهادات ومنها ما هو شورى ومنها ما هو وساوس شياطين الإنس والجن ومنها ما هو تحريفات الوضاعين والمدلسين والمغفلين .

أما أثر " اكتب فوالذي نفسي بيده ، ما يخرج منه إلا حق " , فهو أثر باطل السند منكر المتن .

أما القرآن فهو منزَّل من الله تعالى , فلقد أوحى به الله تعالى إلى النبي من أول آية إلى آخر آية .

النتيجة : إن القرآن وحده هو المنزَّل من الله تعالى إلى النبي , أما الآثار فليست كلها منزَّلة من الله تعالى إلى النبي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين


هناك تعليق واحد:

  1. (.....وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ ....) البقرة/143
    ماهي القبلة التي كان عليها (وماجعلنا)؟ الا يثبت هذا وجود وحي خارج القرآن لم يتم ذكره في القرآن؟
    سؤال آخر , هل القبلة تعني وجوب استقبال المسجد الحرام الكعبة بمكة في الصلاة؟

    ردحذف