بطلان حجية الآثار
كتب محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني ,
تبيين الحق ) :
إزالة عقبات وحجج الفرق الضالة
عندما كان يتكلم أي إنسان في وجوب التمسك بالقرآن فقط
واتباع ما فيه , كانت الفرق الضالة ترد عليه بالحجج الآتية :
1 ـ أننا لو فعلنا ذلك لما استطعنا الصلاة أو الصيام أو
الحج فلقد جاءت الآثار مبيِّنة للصلاة والصيام والزكاة والحج , فلقد قال الله
تعالى "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [النور : 56] , ولم يبين لنا كيفية الصلاة والزكاة في القرآن , بينما جاءت الآثار مبيِّنة للصلاة والزكاة , فالآثار مبيِّنة للقرآن , كما توجد الكثير من أحكام الصيام والحج لم تذكر في القرآن وذكرت في الآثار .
2 ـ أننا لوفعلنا ذلك لتركنا الكثير من الأمور التي لم
تذكر في القرآن وجاءت في الآثار , مثل قتل المرتد , وحد شارب الخمر , وعدم جمع المرأة
على عمتها أو خالتها , وعدم إدخال المخنثين على النساء , وحرمة المعازف , وحرمة النمص ,
فلقد جاءت الآثار مستقلة عن القرآن .
3 ـ أننا لو فعلنا ذلك لتعبدنا الله بالمنسوخ الذي في
القرآن وتركنا الناسخ الذي في الآثار , مثل الصلوات الخمس والرجم وعدم الوصية لوارث ,
فلقد جاءت الآثار ناسخة لكتاب الله .
وكان يقف الجاهل أمام تلك الشبهات ولا يستطيع ردها , لأنه
لم يتبين ولم يحقق يوماً , بل إن المحققين آمنوا قبل أن يتبينوا لذلك لما وجدوا
بطلان بعض الآثار التي يقوم عليها مذهبهم الضال تحججوا وقالوا : تلقتها الأمة
بالقبول .
وكل المحققين متساهلون في التصحيح ويسيرون على درب
المحرفين الذين سبقوهم .
وأقول لقد هداني الله تعالى للحق ووضعت شروطاً للأثر
تليق بحكيم إذا أراد حفظ أثره كما تؤمن الفرق الضالة بحفظ الآثار , وهي :
1 ـ قوة الرواة ( الضبط ) .
2 ـ أمانة الرواة ( العدالة ) .
3 ـ ثبوت تلقي عين الحديث , لأن كلهم يدلسون ويرسلون .
4 ـ عدم مخالفة الحق , فأي أثر يخالف القرآن أو الحكمة
أو العقل أو العلم أو الفطرة أو أثر أقوى منه أو الحس أو المشاهدة فهو أثر باطل .
ولقد حققت الآثار الباطلة التي تستدل بها الفرق الضالة ,
فوجدت كلاماً كثيراً في رواتها , ووجدت أنهم مدلسون ويرسلون ولم يصرحوا بالسماع , ووجدت
في بعضها انقطاعاً , والسؤال كيف يستجيز عاقل أن يؤمن بكلام مدلس أو مرسِل أو مغفل
؟ كيف ينسب عاقل كلام المدلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ كيف يصحح عاقل أثراً
منقطعاً ؟
أليس هذا اتهام لرب العالمين بسوء اختيار حفظة الآثار
إذا كان أراد حفظها كما تؤمن الفرق الضالة ؟
ما حققت أثراً مخالفاً لآيات الله إلا ووجدته باطلاً .
ما حققت أثراً في إلغاء ( نسخ ) آيات الله إلا ووجدته
باطلاً .
ما حققت أثراً مكملاً ( مستقلاً ) يكمل نواقص القرآن
المزعومة إلا ووجدته باطلاً .
ما حققت أثراً يبين مبهمات القرآن المزعومة إلا ووجدته
باطلاً , بل إن منها ما يصنع شبهات ضد الإسلام , مثل الأثر الباطل في إكراه ابن
سلول فتياته على البغاء .
ولو توجد آثار مبيِّنة حقاً فأين الآثار المبيِّنة صحيحة
السند والمتن ؟ وأين الآثار التي تبين معنى الحروف المقطعة ؟
إن شبهات الفرق الضالة هي عقبات أمام الجهلاء لذا نرى
القرآنيين آمنوا بالآثار العملية حتى ولو كانت باطلة السند , والمصيبة الأكبر أنهم
لغوا ( نسخوا ) بها كتاب الله , مثل الصلوات الخمس .
وأقول : إن الصلاة مبيَّنة في القرآن بالتفصيل , انظر
رسالتي : بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده , فصل : كيفية الصلاة .
أما أثر الشِّعرة ( حديث المعراج ) فهو باطل , والآثار
لا تنسخ القرآن , والصلاة الصحيحة مذكورة ومبيَّنة في القرآن وليس في آثار
المغفلين والمدلسين والوضاعين , انظر رسالتي : بيان الصلاة التي أمر الله بها
عباده .
أما الزكاة فإن معناها تزكية النفس , والإنفاق وسيلة
لتزكية النفس وليس هو تزكية النفس , ولا يوجد نصاب للإنفاق , انظر مدونتي : مدونة
محمد الأنور الخاصة بالنفقات .
وأما الحج فلقد بيَّنه الله تعالى في القرآن وما ليس في
القرآن فهو بدعة , كقذف العمود بالحجارة مثل الأطفال , والسؤال : هل يؤمن عاقل بأن
هذه شعيرة أو نسك ؟
وكذلك الصيام قد بيَّنه الله تعالى في القرآن وأي حكم
ليس في كتاب الله فهو باطل , فلقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم متبعاً وليس
مكملاً لنواقص القرآن المزعومة أو ناسخاً له أو مخالفاً .
وأما حد الردة فكل الآثار التي تأمر بقتل المرتد باطلة السند ومخالفة للقرآن , انظر رسالتي : بطلان حد الردة .
وأما حد شارب الخمر فهو باطل , والآثار التي تستدل بها
الفرق الضالة باطلة السند منكرة ومضطربة المتن .
وأما الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فجائز , والأثر
الذي تستدل به الفرق الضالة باطل السند والمتن , فلقد بيَّن الله تعالى المحرمات من
النساء في القرآن ولم ينس شيئاً .
قال تعالى : " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً
وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ
وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي
حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ
مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ
سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ
مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ
بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ
تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا
عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ
ضَعِيفًا (28) " ( النساء ) .
فهل هذا السياق يحتمل النقص ؟
وهل القرآن ناقص حتى تكملوه بأثر لمدلس أو مرسل ؟
إن الآيات تدل على حصر المحرمات .
ألا يعارض الأثر الباطل قوله تعالى : " وَأُحِلَّ
لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ " ؟
هل نسي الله تعالى شيئاً ؟
قال تعالى : " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ
رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا
كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " [مريم : 64] .
قال تعالى : " قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ
الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي
وَلَا يَنْسَى (52) " ( طه ) .
وأما عدم إدخال المخنثين على النساء فالأثر باطل السند منكر
المتن , وهل يؤمن عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأذن بدخول المخنثين على
زوجاته حتى سمع مخنثاً يصف امرأة ؟
إن الرجال لا يدخلون مخنثاً على زوجاتهم , ومن أدخل مخنثاً على زوجته فهو ديوث .
وأما المعازف فهي مباحة وأثر البخاري باطل , انظر رسالتي
: القول الفصل في المعازف والأغاني والأناشيد والشعر .
وأما أثر فهم ابن مسعود لقوله تعالى " وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " فهو أثر باطل , وفهم
فاسد , وهذا الأثر وما فيه من لعن النامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة
والمتفلجات للحسن , مكذوب , فهو أثر باطل السند منكر المتن , انظر رسالتي : الانقطاع بين
إبراهيم النخعي وعلقمة وأثره على أصول الدين عند السلفيين .
والآية مبينة ظاهرة ولا تعني هذا المعنى المزعوم .
قال تعالى : " مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
[الحشر : 7]
إن الآية في الفيء وليس في الآثار المخالفة أو اللاغية
أو المكملة أو المبيِّنة , وكذلك سورة
الحشر فهي في الجهاد والفيء .
والمعنى وما آتاكم الرسول من مال فخذوه وما نهاكم عنه من
مال فانتهوا .
وليعلم كل عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بما
يخالف القرآن أو يلغيه أو يزيد عليه , ولم ينه عما في القرآن أو ما لم يذكر في
القرآن , فلقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم متبعاً لما في القرآن مقيماً له
قاضياً به .
ولنتدبر سورة الحشر حتى نعلم المقصود قال تعالى : "
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ
حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ
بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي
الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ
خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا
الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ (10) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ
مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ
لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ
أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ
وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى
مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ
جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ
فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
(16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ
جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ
فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي
أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ
الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ
خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ
اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ
لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) " ( الحشر ) .
أما آثار الرجم التي زعموا نسخها لآيات الله , فكلها
مكذوبة , وآيات الله تعالى ناسخة غير منسوخة , انظر رسالتي : بطلان الرجم شرعاً
وعقلاً .
وأما أثر ( لا وصية لوارث ) الذي يزعم المحرفون نسخه
لكتاب الله فهو أثر مكذوب , انظر رسائلي في النسخ .
والسؤال :
ألا تعارض الآثار المبيِّنة لمبهمات القرآن المزعومة آيات
كثيرة في القرآن ؟
مثل قوله تعالى : " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ
الْمُبِينِ " [يوسف : 1] .
انظر رسالتي : بطلان حجية الآثار , فصل : القرآن مبين
ومفصَّل في نفسه وتبيان وتفصيل لكل شيء .
ألا تعارض الآثار المكملة لنواقص القرآن المزعومة آيات
كثيرة في القرآن ؟
مثل قوله تعالى : " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً
وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [العنكبوت : 51]
وقوله تعالى : " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ "
[الأنعام : 38]
وقوله تعالى : " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ
أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى
هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " [النحل : 89]
وقوله تعالى : " وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ
يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [يونس :
37]
وقوله تعالى : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ
عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ
الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ " [يوسف : 111]
وقوله تعالى : " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ
مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا " [الإسراء : 12]
ألا تعارض الآثار اللاغية ( الناسخة ) للقرآن آيات كثيرة
في القرآن ؟
مثل قوله تعالى : " مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [البقرة : 106] .
فالضال الذي فهم الآية خطأً وقال أن القرآن هو المنسوخ
بالآثار , ولم يفهم منها أن القرآن ناسخ للكتب السابقة , كما هو ظاهر في سياق الآيات , فإن الآية نفسها حجة عليه
ودليل على فساد فهمه ونقصان عقله , لأنه إذا قيل أن آيات القرآن هي المنسوخة فإنه
يتوجب على من قال ذلك أن يقول أن الناسخ هو آيات من القرآن أيضاً لقوله تعالى في
نفس الآية : " نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا " , ومن المعلوم
أن الآثار ليست مثل آيات القرآن وليست بأحسن منها , فالقرآن أحسن من الآثار , قال
تعالى : " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا
مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ
تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ
يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "
[الزمر : 23] .
فضلاً عن وجود آيات أخرى تدل على عدم نسخ الآثار لآيات
الله , مثل قوله تعالى : " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ
قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ
بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ
أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ " [يونس : 15]
انظر رسالتي في بطلان النسخ .
هل يوجد أثر يلغي ( ينسخ ) القرآن صحيح السند ؟
ولو سلمنا جدلاً بوجود أثر ناسخ صحيح السند ـ رغم أن كل
أسانيد تلك الآثار باطلة ـ فهل عصم الله تعالى هؤلاء الرواة من الخطأ ؟
الأثريون أنفسهم يعترفون بأن كل ثقة له أخطاء .
هل حفظ الله تعالى الآثار أو جمعها ؟
الله تعالى لم يحفظ ولم يجمع غير القرآن , انظر رسالتي :
بطلان حجية الآثار , فصل : ما هو الذِّكر المحفوظ ؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله
بارك الله فيك يا استاذ محمد
ردحذف