بطلان حجية الآثار
كتب
: محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني , تبيين الحق ) :
عدم التحديث عن النبي
تنبيه
: أنا أستدل بروايات الأثريين من باب الحجة عليهم , وليس من باب أنها صحيحة عندي ,
فإني أشترط شروطاً لا تتوفر في أكثر روايات الأثريين .
عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا
عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "
. ( صحيح البخاري واللفظ له , جامع الترمذي , سنن الدارمي , مسند أحمد , صحيح ابن
حبان , المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم , مصنف عبد الرزاق , وقال أبو
نعيم في حلية الأولياء : صحيح مشهور من حديث الأوزاعي عن حسان , وقال ابن العربي
في عارضة الأحوذي : ثابت , وقال ابن تيمية
في مجموع الفتاوى : صحيح , وقال العيني في نخب الافكار : إسناده صحيح ,
وقال أحمد شاكر في مسند أحمد بن حنبل : إسناده صحيح , وقال الألباني في صحيح
الترمذي : صحيح ) .
والأثر هذا حجة على الأثريين , لأن فيه الفوائد التالية
:
1
ـ قال : " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ
آيَةً" , ولم يقل : "بلغوا عني ولو
أثراً" , أي أن المأمور به تبليغ الآيات وليس الآثار .
2 ـ قال : " وَحَدِّثُوا
عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ" , ولم يقل : "وحدثوا عني ولا حرج" , أي أنه أتى نفي الحرج في
التحديث عن بني إسرائيل , ولكن لم يأت نفي الحرج عمن يحدث عن النبي .
3 ـ قال : " وَمَنْ كَذَبَ
عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " , والسؤال :
هل يعلم المتحدث يقيناً أن هذا الحديث صدق ؟
ألا
يعلم أن كل الرواة وإن كانوا حفاظاً يخطئون , لذا أضاف المحدثون علة شذوذ المتن ؟
هل
يعلم المتحدث يقيناً أن السند متصل وأن الرواة تلقوا هذا الأثر حقاً من شيوخهم ؟
ألا
يعلم المتحدث أن كل الرواة يرسلون ويدلسون ؟
هل
يعلم المتحدث يقيناً أن السند متصل حتى وإن صرحوا بالسماع ؟
ألا
يعلم أن الرواة يخطئون في صيغ التحمل فيقولون حدثنا , وهم لم يحدثهم ولم يسمعوا
منه , ومنهم من يتأول التصريح بالسماع كالحسن البصري , ومنهم من يدلس تدليس السكوت
والعطف , ومنهم من يكذب .
والسؤال
: هل من حدث عن النبي على يقين بأن النبي قال ذلك حقاً ؟
لا
, فالآثار ظنية الثبوت .
وكيف
يزعم المحدث أن النبي قال هذا الأثر وهو شاك في ثبوته ؟
وهل
الشك أصبح من أعمدة الدين ؟
وهل
نأخذ ديننا من المشكوك في صحته ؟
لذا
أقول من حدث عن النبي فقد كذب متعمداً , خاصة إذا حدث بأثر يخالف القرآن أو ينسخ
آياته أو يكمل نقصانه المزعوم أو يبين مبهماته المزعومة .
وجاء
في سنن ابن ماجه : بَاب التَّوَقِّي فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم :
(23)-
[23 ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ
بْنُ مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْبَطِينُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: " مَا أَخْطَأَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ عَشِيَّةَ
خَمِيسٍ إِلَّا أَتَيْتُهُ فِيهِ، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ لِشَيْءٍ
قَطُّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَلَمَّا
كَانَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: فَنَكَسَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَهُوَ قَائِمٌ مُحَلَّلَةً
أَزْرَارُ قَمِيصِهِ، قَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ
"، قَالَ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ
ذَلِكَ، أَوْ شَبِيهًا بِذَلِكَ .
(24)-
[24 ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ
بْنُ مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ، قَالَ: " كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا
حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا
فَفَرَغَ مِنْهُ قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " .
(25)-
[25 ] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ.ح
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " كَبِرْنَا، وَنَسِينَا،
وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم شَدِيدٌ " .
(26)-
[26 ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ:
سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: " جَالَسْتُ ابْنَ
عُمَرَ سَنَةً فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا " .
(27)-
[27 ] حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ
الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ
طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: " إِنَّمَا
كُنَّا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ، وَالْحَدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا إِذَا رَكِبْتُمُ الصَّعْبَ
وَالذَّلُولَ فَهَيْهَاتَ " .
(28)-
[28 ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَرَظَةَ
بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: بَعَثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى
الْكُوفَةِ، وَشَيَّعَنَا فَمَشَى مَعَنَا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ صِرَارٌ،
فَقَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ؟ " قَالَ: قُلْنَا:
لِحَقِّ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِحَقِّ
الْأَنْصَارِ، قَالَ: لَكِنِّي مَشَيْتُ مَعَكُمْ لِحَدِيثٍ أَرَدْتُ أَنْ
أُحَدِّثَكُمْ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَحْفَظُوهُ لِمَمْشَايَ مَعَكُمْ، إِنَّكُمْ
تَقْدَمُونَ عَلَى قَوْمٍ لِلْقُرْآنِ فِي صُدُورِهِمْ هَزِيزٌ كَهَزِيزِ
الْمِرْجَلِ، فَإِذَا رَأَوْكُمْ مَدُّوا إِلَيْكُمْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالُوا:
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، فَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا شَرِيكُكُمْ " .
(29)-
[29 ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: "
صَحِبْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَمَا
سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ " .
ـــــــــــــــــــــــ
انتهى
ويؤخذ
من الآثار السابقة ما يلي :
1
ـ أن من رأوا النبي كان لا يحدثون عنه , ومن حدث كان نادر التحديث عنه .
2
ـ أنهم ينسون , وليس كما يزعم البعض أنهم معصومون وأنهم ضباط لا يخطئون .
3
ـ أن الحديث عن النبي شديد , وأن من يحدث عنه إما جاهل أو جريء لا يهاب الكذب على
النبي .
4
ـ أن الكذب قد ظهر في عصر من رأوا النبي , ويدل على ذلك ما روي عن ابن عباس :
"إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ، وَالْحَدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا
إِذَا رَكِبْتُمُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ فَهَيْهَاتَ " .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق