بطلان حجية الآثار
كتب محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني ,
تبيين الحق ) :
أقوال المحدثين
في التدليس وأسئلة قاتلة للأثريين
أولاً : أقوال المحدثين في التدليس :
جاء في شرح كتاب التدليس في الحديث للدميني ما يلي :
(( أقوال العلماء في تدليس الإسناد :
نأتي الآن إلى حكم العلماء على تدليس الإسناد عامة، فهناك خمسة أقوال
للعلماء في التدليس عامة:
القول الأول: الرد مطلقاً، وهذا قول المتشددين،
وأبو الباب في ذلك هو شعبة بن الحجاج.
وأصحاب هذا القول قالوا: أما المدلس فمجروح عندنا، وإليك الأقوال
التي قيلت فيه:
أما شعبة فقال: التدليس أخو الكذب، وقال في كلمة أخرى: لأن أخر من
السماء خير لي من أن أدلس، وقال عن نفسه: لأن يزني خير له من أن يدلس، فجعل
التدليس أخا الزنا، ولذلك ابن الصلاح لما سمع هذه الكلمة ونقلها عن الإمام أمير
المؤمنين في الحديث شعبة أنكر عليه، وقال: وهذا فحش في القول، فجاء البلقيني فأنكر
على ابن الصلاح وعضد قول شعبة، وقال: ولم لا وهو يعمي على الناس حديث النبي صلى
الله عليه وسلم! وإن التدليس أضر من الربا؛ لأن الربا فيه الظلم في أمور دنيوية،
أما الحديث ففيه الظلم في أمور دينية، من تضييع للشرع، وجعل الحرام حلالاً، أو
الحلال حراماً، فقال: فإن التدليس أضر من الربا، وقد وردت الآثار أن درهماً واحداً
أشد من ست وثلاثين زنية، وقال: والتدليس أضر من الزنا، فيكون حديث واحد فيه تدليس
أشد من ست وثلاثين زنية.
وورد عن عبد الرزاق الصنعاني، وهو ثقة ثبت، وشيخ الإمام أحمد بن حنبل،
وكان فحلاً من أهل اليمن، ورد أنه كان يكره التدليس، بل يذم التدليس، ولأن
المحدثين من أهل اليمن كانوا ينزلون مكة لبركتها، وكذلك كل المحدثين كانوا
يتوافدون عليها، فيعقدون مجلس التحديث، فقد نزل عبد الرزاق مكة، وسمع به أهل
الحديث ولم يأتوه، فكاد يموت، فذهب فتعلق بأستار الكعبة وبكى بكاءً شديداً، ثم
قال: رب! لمَ لم يأتني أصحاب الحديث؟ أكنت كذاباً؟ أكنت مدلساً؟ فانظر كيف قرن
التدليس بالكذب، وهو يقول: حق لمن يدلس ألا يسمع له أحد، فما لبث أن انتهى من
دعائه حتى وجد الناس يكتظون على المسكن الذي نزل فيه، فيسمعون منه الحديث،
فالمقصود أنه قرن الكذب بالتدليس.
وكان أبو عاصم النبيل يقول: إن التدليس شر كله، ودعا بعضهم على
المدلسين فقال: خرب الله بيوت المدلسين، خرب الله بيوت المدلسين، ونقل عن أبي عاصم
أنه قال: إن المدلس هو المتشبع بما لم يعط، والمتشبع بما لم يعط عنده تزوير؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، لأن من فعل
ذلك أصلاً ليس بمحدث، ويضع نفسه أمام الناس على أنه محدث، أو ليس بفقيه، ويضع نفسه
أمام الناس على أنه فقيه.
وقال آخرون: إن التدليس غش، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا
فليس منا).
وكل هذه الأقوال تعضد قول من قال: إن المدلس مجروح، فلا يؤخذ منه حديث، فلذلك ردوا حديثه
مطلقاً، سواء عنعن أو صرح بالتحديث، وموجب هذا القول رد الأحاديث التي وردت عن
الأعمش وعن الثوري وعن ابن عيينة وعن الزهري وعن الوليد بن مسلم وعن هشيم بن بشير،
وهؤلاء جاوزوا القنطرة، فسوف تضيع ثلاثة أرباع السنة، إذاً هذا القول فيه غلو
وتشد، فلا يقبل بحال من الأحوال؛ لأننا لو عملنا بموجب هذا القول لرددنا أغلب
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: القبول مطلقاً، وأصحاب هذا القول يحتجون
بقول الشافعية: إن المدلس ليس بكذاب، فقد ورد عن الشافعي أنه قال: إن التدليس ليس
بالكذب، ولكنه ضرب من الإيهام بلفظ يحتمل، أي: يوهمك بأنه سمع وهو لم يسمع، ثم قال
الشافعي رحمه الله: فلا نقبل حديثه حتى يقول: حدثني أو أخبرني، فهم لم يأخذوا
الشطر الأخير من كلام الشافعي، لكن قالوا: المدلس ليس بكذاب، وليس بمجروح، وحديثه
حكمه حكم المرسل؛ لأن الإرسال إسقاط، والتدليس إسقاط كذلك -كما بينا ذلك في
العلاقة بين التدليس والإرسال- فكل منهما أسقط واسطة، فلذلك قالوا: من قبل الإرسال
لزاماً عليه أن يقبل التدليس.
وهذا قول أكثر الأحناف، وبعض المالكية، بأن الأصل في رواية المدلس القبول مطلقاً، سواء عنعن أو صرح بالتحديث.
القول الثالث: التفصيل: وهذا القول نقل عن المحدثين، فقد قالوا:
إن الشافعي قال: إن التدليس ليس بالكذب، وهذا ليس بجرح صريح، فيكون المدلس غير
مجروح، وكذلك قالوا: إنه قال: هو ضرب من الإيهام، أي: فيه إيهام، ونحن نريد أن نقف
على الإسناد هل سمع أم لا، فلا نقبل منه حتى يقول: حدثني أو أخبرني أو أنبأني.
إذاًَ هم فصلوا وقالوا: إن المدلس إذا أتى بصيغة توهم السماع كأن
يأتي بالعنعنة فلا نقبل حديثه، وإذا أتى بصيغة التصريح فيقبل حديثه؛ لأنه غير
مجروح العدالة، وهذا القول من القوة بمكان، فإذا كان معنا إسناد فيه مدلس أتى
بصيغة العنعنة مثل: الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، فنقول: إن هذا الإسناد ضعيف،
والعلة في ذلك أن فيه إيهاماً يوجب لنا الانقطاع، أي: أن ضعف الحديث علته ليست
العدالة والضبط، فإن العدالة والضبط متوافرتان، وإنما العلة هي إيهام بانقطاع،
فإذا زال هذا الإيهام بأن صرح الراوي بالتحديث، فتكون الشروط قد توافرت، ويكون
الإسناد صحيحاً، ولذلك نحن قلنا: إن الذهبي قال في بقية: إن قال: حدثني، فعض عليه
بالنواجذ.
وليعلم أن أصحاب هذا القول يشترطون في المدلس أن يكون ثقة لا ضعيفاً،
أي: أن الكلام في القول الثالث عن الثقات وليس عن الضعفاء؛ لأن الضعيف لو عنعن فإن
هذا سيصبح ظلمات بعضها فوق بعض، فإن الراوي هنا متهم أصالة، فكيف إذا زاد فوق ذلك
تدليساً!
القول الرابع: قالوا: ننظر للمدلس نفسه، فإن كان لا يدلس إلا عن الثقات
فحديثه يكون صحيحاً ويقبل منه، ويعرف ذلك من خلال تصريحه عمن سمع منه، فإن كان
دائماً يصرح عن ثقات فنقول: إنه يدلس عن الثقات فقط، وذلك مثل ابن عيينة، فإنه كان
إذا طلب منه التصريح لا يصرح إلا عن ثقة، أما إذا كان يصرح عن الثقات والضعفاء فلا
يقبل منه حتى يصرح بالتحديث.
وقد قال أصحاب هذا القول: إن هذا الشرط لم يتوفر إلا في ابن عيينة.
القول الخامس: قالوا: يشترط في قبول حديث المدلس أن يكون المحدث كثير التحديث وقليل التدليس، قالوا: لأن القاعدة عند علمائنا تقول: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، فيغمر قليل التدليس في كثير الحديث، ومثلوا على ذلك بـ الثوري وابن عيينة وابن المديني وغيرهم، فـ الثوري كثير الحديث، بل أمير المؤمنين في الحديث، فهو أكثر حفظاً من شعبة، ولكنه كان يدلس، فقالوا: نقبل عنعنة الثوري؛ لأنه مكثر في الحديث، وكذلك الزهري، فهو أيضاً أمير المؤمنين في الحديث، وأوسع الناس حفظاً منه، فتدليسه يغمر في بحر أحاديثه.
هذه هي الأقوال الخمسة، والراجح والصحيح في ذلك هو القول الثالث،
والقولان الرابع والخامس يندرجان تحته، أي: أن هذين القولين تابعان للقول الثالث؛
لأننا قد ننزل العنعنة منزلة التصريح لعوارض وضوابط في المدلس، من حيث ثقته أو
كثرة حديثه )) .( شرح كتاب التدليس في الحديث للدميني , محمد حسن عبد الغفار )
ــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً : أسئلة قاتلة للأثريين :
لقد حدث الاختلاف في المدلسين , فمن الأثريين من قال
بوجوب رد كل آثار المدلس حتى وإن صرح فيها بالسماع لأن التدليس أخو الكذب , أما أنا فأقول
يجب رد كل آثاره لأن قبول أي أثر من آثاره فيه طعن لرب العالمين بسوء اختيار حفظة
الآثار إن كان يريد حفظها كما تزعمون .
والسؤال الأول : لقد حدث الاختلاف في أمر المدلس فهل عندكم أدب الخلاف
؟ كيف تنكرون على من أخذ بالرأي الأول وهو رأي لعلماء معتبرين عندكم , فضلاً عن
أنه رأي ينزه الله عن النقص ؟
والسؤال الثاني : ولو سلمنا جدلاً بأن الله قد حفظ الآثار كما يزعم
الأثريون , فهل يختار الله المدلسين لهذا العمل ؟
إن هذا طعن في حكمة الله وكفر به , فالمخلوق الحكيم إذا أراد إرسال
رسالة إلى قوم سيختار رجلاً حافظاً أميناً غير مدلس لحمل هذه الأمانة .
والسؤال : ماذا لو اختار ملك من ملوك الدنيا سفيراً مدلساً لتوصيل
رسالة في الزراعة أو الصناعة إلى بلد من البلاد ؟
هل هذا يدل على حكمة هذا الملك , أم يدل على جهله أو حمقه ؟
فهذا أمر غير مقبول لمخلوق وفي أمر دنيوي , فما بالكم بالخالق أحكم
الحاكمين وما بالكم بأمور الدين ؟
لماذا لا تقبلون من مخلوق هذا الفعل بينما تنسبونه إلى أحكم الحاكمين
؟
ما لكم لا ترجون لله وقاراً ؟
لماذا لا تنزهون الله عن هذا النقص ؟
هل تؤمنون بأن الله حكيم حقاً ؟
ولكن المخلوق قد يعذر باختيار المدلس لجهله بحاله , فهل الله يجهل
حال هذا المدلس عندكم ؟
تعالى الله عما يصفون .
السؤال الثالث : كيف تتهمون من رد روايات المدلس كلها ؟ وكيف تتهمون من
رد ما لم يصرحوا فيه بالسماع ؟ من أولى بالاتهام ؟ أليس من يطعن في أحكم الحاكمين
؟ أليس من يقدم روايات المغفلين والمدلسين والوضاعين على كلام رب العالمين ؟
السؤال الرابع : هل تتيقنون من ثبوت تلقي المدلس الأثر من شيخه وهو لم
يصرح بالسماع ؟ وحتى وإن صرح المدلس بالسماع هل تتيقنون بعدم حدوث خطأ في صيغة
التحمل ؟
وكثيراً ما يحدث هذا الخطأ , فيقول الراوي حدثنا فلان , ثم يعلق
الشراح بأنه ما حدثه ؟
لقد وضعت قاعدة في علم الحديث للأثريين وهي قاعدة اليقين , فلا بد من
التيقن من الآثار وطرح أي أثر فيه شك .
ومن المفارقات أنه يطرح الشك باليقين في علم أصول الفقه, ولكن
المحدثين لا يعملون بذلك .
ومن المفارقات أيضاً أن نجد في علم المحاسبة قاعدة اسمها قاعدة
الحيطة والحذر , والسؤال : أليست أمور الدين أولى باليقين من أمور الدنيا ؟
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا
عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " [الحجرات : 6]
هل المال أهم عندكم من دينكم ؟
السؤال الخامس : إذا رددنا آثار المدلسين فكم تتبقى لكم من آثار ؟
قال البغوي ثنا أحمد بن إبراهيم العبدي ثنا محمد بن معاذ ثنا معاذ عن شعبة
قال: ( ما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا يُدلس إلا ابن عون وعمرو بن مرة ) .
وجاء في التمهيد لابن عبد البر : ( قال معاوية الضرير : كنت أحدث الأعمش عن
الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد فيجىء أصحاب الحديث بالعشى فيقولون حدثنا الأعمش
عن مجاهد بتلك الأحاديث فأقول انا حدثته عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد .
قال أبو عمر التدليس في محدثي أهل الكوفة كثير قال يزيد بن هارون لم أر بالكوفة
أحدا إلا وهو يدلس إلا مسعرا وشريكا ) .
ويكفي أن أذكرك ببعض أئمتك الذين اتهموا بالتدليس , وهم : البخاري ,
مسلم , مالك بن أنس , الدارقطني , الحسن البصري , الزهري , قتادة , الأعمش , سفيان
الثوري , سفيان بن عيينة , أبو الزبير , هشيم ...
فضلاً عن أننا لو أخذنا بالتعريف الاصطلاحي عندك في التدليس لأدخلنا
الكثير مما تزعم أنهم من الصحابة في زمرة المدلسين .
فأبو هريرة وأنس بن مالك وابن عباس وأبو سعيد الخدري من أشهر
المدلسين وما كانوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , ومن زعم أنهم من الصحابة
فقد حرف الدين واللسان العربي , وهل يصاحب الرجل الكبير غلماناً ؟ وكيف يروي
الغلام الذي قابل النبي في آخر حياته هذا الكم من الآثار التي لم يروها أبو بكر
وعمر وعثمان وعلي ؟
إنه التدليس .
والسؤال : ألا تعلم عدد الآثار التي رواها المدلسون ؟ ألا تعلم أن
أصول مذهبك الضال قائمة على آثار المغفلين والمدلسين والوضاعين ؟ إذا رددت آثار المغفلين
والمدلسين والوضاعين فكم يتبقى لك من آثار ؟
لذا لن تردوا آثار المغفلين والمدلسين والوضاعين .
والخلاصة :
1 ـ إن القرآن كاف كامل تام لم يفرط الله فيه .
2 ـ إن القرآن مبين ومفصل في نفسه .
3 ـ إن القرآن تبيان وتفصيل لكل شيء ديني .
4 ـ إن القرآن ناسخ غير منسوخ .
5 ـ إن الله تعالى قد أخذ عهداً على نفسه بجمع وحفظ القرآن , ولم
يأخذ عهداً على نفسه بجمع أو حفظ الآثار .
6 ـ إذا كان الله سيحفظ الآثار فلا بد أن يختار لها أئمة أقوياء (
ضباط ) أمناء ( عدول ) ولن يختار المغفلين والمختلطين والمدلسين والوضاعين , ومن
قال غير ما قلت فقد قال كفراً وطعن في أحكم الحاكمين .
لذا أقول لكل أثري إذا كنت مصراً على حجية الآثار فيجب عليك رد آثار
المغفلين والمختلطين والمدلسين والوضاعين .
7 ـ إذا كان الله سيحفظ الآثار فلا بد أن نجدها مجموعة ومحفوظة من
القرن الأول فالله رحيم بعباده وقد أراد بنا اليسر لا العسر , ولكن الآثار غير
مجموعة وغير محفوظة إلى الآن , ولن يستطيع أحد جمعها أو تطهيرها , ولو جمعنا الآثريين
في مكان وقلنا لهم اجمعوا الآثار وأخرجوا لنا الصحيح لاختلفوا ولتنابذوا ولاتهموا
بعضاً تارة بالتشدد وتارة بالتساهل , فآلاف الرواة مختلف فيهم .
8 ـ أننا لو تمسكنا بشروطي في الأثر لما صح إلا عدة آثار وستكون
موافقة للقرآن وليست مخالفة له أو ناسخة أو مكملة لنقصانه المزعوم أو مبينة
لمبهماته المزعومة .
9 ـ إن شرعنا أيسر من شرع من قبلنا .
وهل كان الله ينزل على الرسول الواحد عدة كتب أم كتاباً واحداً ؟
أين آثار موسى ؟ وأين آثار عيسى ؟
وهل أمرهم الله إلا باتباع التوراة والإنجيل والحكم بما فيهما ؟
كيف يكون شرعنا أيسر من شرع من قبلنا في وجود آلاف الآثار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب
العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق